أين نحن من تلاميذ المسيح؟ رحلة في دروب الإيمان المتباينة

أين نحن من تلاميذ المسيح؟ رحلة في دروب الإيمان المتباينة

أين نحن من تلاميذ المسيح؟ رحلة في دروب الإيمان المتباينة


يرسم النص لوحة حية لتلاميذ المسيح، في تنوعهم البشري وتباين مواقفهم ومدى ثباتهم في الإيمان. فهو يُذكرنا بأن دائرة المسيح لم تكن مجموعة مثالية من الملائكة، بل ضمت بين طياتها قلوبًا فيهَا الخير والشر، والإخلاص والخيانة، والثبات والضعف.


فهناك يوحنا الحبيب، نموذج للإخلاص والثبات، الذي لم يُفارق معلمه حتى الرمق الأخير. وهناك بطرس، صاحب الشخصية المندفعة، الذي تملكه الغرور فأنكر معلمه خوفًا من بطش السلطة. أما يهوذا، فيُجسد وجه الخيانة المُظلم، مدفوعًا بجشع المال وتعصب الأفكار.


ولا ينسى النص تلاميذ آخرين طغى عليهم الكسل واللامبالاة، فأرادوا ثمار الجنة دون أي جهد أو تضحية. فيما فضلّ يوسف الرامي التستر خلف ستار الخوف منيباً عن إعلان إيمانه بالمسيح جهراً. وظلّ توما أسير شكوكه، عاتباً على عقله قبل قلبه. أما بقية التلاميذ فاختاروا درب القطيع، يُهللون عندما تُهلل الجموع، ويفرّون عندما تشتد المحن.


وهنا يُطرح السؤال الجوهري: أين نحن من هؤلاء التلاميذ؟ ففي داخل كل منّا شيء من يوحنا وبطرس ويهوذا. فقد نتحلى بالشجاعة في بعض الأحيان، ونُغلبنا مخاوفنا في أحيان أخرى. وقد نُخلص في عقيدتنا، ولكننا نُخطئ في تطبيقها.


ولعل الأخطر من ذلك هو التحول إلى "فريسيين" العصر الحديث، نُحاكم الآخرين بمعايير صارمة، ونُنصب أنفسنا حُماة للإيمان، ونتناسى جوهر الرسالة الإلهية المتمثلة في المحبة والتسامح والرحمة.


إن رحلة البحث عن ذاتنا في مرآة تلاميذ المسيح هي رحلة مُستمرة، تتطلب منا التفكر والمراجعة الدائمة لسلوكنا ومواقفنا، لنُصبح أشخاصًا أفضل، ونُقرب بيننا وبين الخالق الذي يرانا كما نحن، بكل عيوبنا ومزاايانا، ويقبلنا بكل حبٍ ورحمة.


في مرآة تلاميذ المسيح: رحلة إيمانية بين ثبات يوحنا وشكوك توما


يحكي لنا التاريخ عن حياة المسيح وتلاميذه، قصة تتخطى حُدود الزمان لتلامس أعماق كل إنسان يبحث عن الحقيقة والخلاص. ولعلّ أكثر ما يلفت الانتباه في هذه القصة هي شخصيات التلاميذ أنفسهم، هؤلاء البشر العاديين الذين اختارهم المسيح ليكونوا شهودًا على رسالته، وهم في تنوعهم البشري يُجسدون مختلف الأطياف الإيمانية التي يمكن أن تتواجد في كل زمان ومكان.


فها هو يوحنا الحبيب، صاحب القلب الطاهر والروح المُتقدة حُبًا للمسيح، يثبت إلى جانبه حتى اللحظة الأخيرة، ضارباً أروع الأمثلة في الإخلاص والوفاء. وعلى النقيض منه، يقف بطرس باندفاعه وثقته الزائدة، ليُذكرنا بأنّ قوة الإيمان لا تُقاس بالكلمات العالية وإنما بمدى قدرتنا على مواجهة ضعفنا البشري. فها هو ينكر معلمه ثلاث مرات خوفًا من بطش السلطة، ليُجسد صراع الإنسان بين نداء الروح وإغواء الدنيا.


ويتجلى وجه آخر للضعف البشري في شخصية يهوذا الإسخريوطي، تلميذ المسيح الذي خان ثقة معلمه مقابل حفنة من الفضة. إنّ قصة يهوذا ليست مجرد قصة خيانة بقدر ما هي انعكاس لصراع النفس بين شهواتها وقيمها، ولِما يمكن أن يُفضي إليه الطمع وحب الذات من سقوط مدوٍ.


ولا تقتصر اللوحة التي يرسمها النص على هؤلاء التلاميذ فحسب، بل تتعداهم إلى شخصيات أخرى مثل "إبني زبدي" اللذين طغت رغبتهما في المكاسب الدنيوية على فهم حقيقة الرسالة الإلهية، فأرادا من المسيح أن يُحقق لهما طموحاتهما الشخصية دون إدراك حقيقي لتضحيات وطبيعة ملكوت السماوات.


كذلك يُسلط النص الضوء على شخصية يوسف الرامي، الذي آمن بالمسيح لكنّه فضلّ إخفاء إيمانه خوفًا من العواقب، مُذكرًا بأنّ الإيمان الحقيقي يتطلب شجاعة الاعتراف به جهارًا مهما كلف الأمر. بينما يجسد توما الشك والتردد، مُطالباً بالدليل المادي الملموس ليُصدق، وهو ما يُعكس صراع العقل مع القلب في رحلة البحث عن اليقين.


أما بقية التلاميذ فقد مثّلوا نموذجًا لـ "قطيع" البشر الذين يسيرون مع التيار دون تفكير عميق أو موقف واضح، ينهارون عند أول اختبار حقيقي لإيمانهم.


إنّ التأمل في شخصيات تلاميذ المسيح يُمثل رحلة إلى داخل أنفسنا، لنسأل أنفسنا: أين نحن من هؤلاء التلاميذ؟ هل نحن بثبات يوحنا أم بضعف بطرس؟ هل طغت علينا ماديات "إبني زبدي" أم تردد توما؟ أم أننا نسير مع القطيع دون فهم حقيقي لمعاني الإيمان الحقيقية؟


إنها أسئلة لا تُطرح لإدانتنا، وإنما لتُذكرنا بأنّ الإنسان خطّاء بطبعه، وأنّ الكمال لله وحده. ولكنها في المقابل دعوة صادقة للنظر في داخلنا، لنُدرك نقاط ضعفنا ونعمل على تقويتها، ونُنمي بذور الإيمان الحقيقي في قلوبنا، ونُدرك أنّ الرحلة الإيمانية ليست مُجرد طقوس فارغة، وإنما هي سعي دؤوب نحو الكمال الإلهي والاقتراب من الخالق بكل ما يحمل قلوبنا من إخلاص وتوبة صادقة.


Post a Comment

أحدث أقدم