الروح القدس وأسرار الكنيسة



الروح القدس
وأسرار الكنيسة

          حلّ الروح القدس فى يوم الخمسين على تلاميذ المسيح ورسله فتأسست الكنيسة جسد المسيح التى تمارس الحياة الإلهية. هذه الحياة الإلهية لا يُنطق بها وتُدعى "سمائية"، لأنها ليست من عملنا الذاتى، ولا من صُنع أيدينا، إنما هى من عمل الروح. فالروح القدس هو الذى أوجد الكنيسة، وهو الذى يحيا فيها ويعمل فيها كجماعة كما فى كل عضو من أعضائها. يُحقق نمو الكنيسة ككل فضلاً عن نمو كل شخص، وذلك بواسطة الأسرار الكنسية، من خلال عمل الروح القدس فيها كما يلى:

1 ـ الروح القدس والمعمودية:
          فى المعمودية:
          1 ـ يمنح الروح القدس المؤمنين نعمة الميلاد الجديد الروحى، ويحوّلهم إلى أعضاء جسد المسيح.
          2 ـ وبواسطة هذه النعمة الإلهية يهبنا الروح "الحياة الجديدة" فى المسيح، الحياة المقامة، واستنارة النفس، والشركة فى الحياة الإلهية، أى التشبه بالله قدر ما تسمح طبيعتنا. ففى حديث المسيح مع نيقوديموس، قال: " الحق الحق أقول لك إن كان أحدٌ لا يُولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو5:3).
          ويقول معلّمنا بولس الرسول: " لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل27:3).

2 ـ الروح القدس ومسحة الميرون:
          يقبل المُعمّدون الروح القدس حالاًّ فى نفوسهم ليقود حياتهم:
          1 ـ مانحًا إياهم التقديس المستمر لنفوسهم وعقولهم وقلوبهم وأجسادهم وحواسهم وعواطفهم، وبهذا يعدهم كعروس روحية للعريس السماوى.
          2 ـ واهبًا إيانا القدرة على ممارسة الحياة الإلهية، إذ يرشدنا إلى كل "الحق" (يو13:5)، ويشهد للسيد المسيح بواسطتنا (أع32:5)، ويمنحنا الحياة (يو63:6)، ويتحدث معنا فنسمع أقواله (انظر رؤ7:2).

3 ـ الروح القدس والإفخارستيا:
          فى القداس الإلهى يُستدعى الروح القدس ليحل على كل من الخبز وعصير الكرمة، وأيضًا ليحل على كل المؤمنين، "فينقل" الخبز وعصير الكرمة إلى جسد المسيح ودمه، ويعطى ـ فى نفس الوقت ـ مغفرة الخطايا والحياة الأبدية لكل من يتناول منهما. وبهذا السر يقود الروح القدس الكنيسة فى طريقها الملوكى حتى تدخل السماء عينها. إن جسد الرب يسوع ودمه يقوّينا ضد الشهوات الشريرة وضد الشيطان. وإبليس يخشى من الذين يشتركون فى الأسرار بتقوى.

4 ـ الروح القدس والتوبة:
          يحل الروح القدس فينا بكوننا هيكله الخاص، فيجد له موضعًا فى هذا الهيكل البشرى، يعمل فيه باستمرار ـ كما قلنا سابقًا ـ لأجل تقديسنا، ولهذا فهو:
          1 ـ يشتهى أن يمحو خطايانا، لهذا يمنحنا توبة يومية من كل خطية وضعف، كى نعترف أمام إلهنا: " إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يو9:1).
          2 ـ يُطهر نفوسنا ويكشف ضعفاتنا، ويعلن لنا عن حاجتنا إلى خلاص إلهى، وهو نفسه الذى يغفر لنا خطايانا بواسطة كهنة الله، إذ قال السيد المسيح لتلاميذه: " اقبلوا الروح القدس، مَنْ غفرتم خطاياه تُغفر له ومَنْ أمسكتم خطاياه أُمسكت" (يو23:20).
          فى قول سمعان الشيخ للسيدة العذراء: ".. حتى تُعلن أفكار من قلوب كثيرة" (لو35:2). حقًا كان فى البشر أفكار شريرة، وقد أُعلنت لكى تظهر على السطح فتُذبح وتموت ويقتلها ذاك الذى مات لأجلنا. لكن لو ظلت هذه الأفكار مخفية دون أن تُكشف، لم يكن ممكنًا القضاء عليها بالموت. لهذا إذ نخطئ يلزمنا القول: " اعترف لك بخطيتى، ولا أكتم إثمى، قلت اعترف للرب بذنبى وأنت رفعت آثام خطيتى" (مز5:32). لأننا إذ فعلنا هذا وكشفنا خطايانا ليس فقط لله، بل لأولئك الذين يمكنهم أن يشفوا جراحاتنا، تُمحى شرورنا بواسطة ذاك الذى يقول: " قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك، ارجع إلى لأنى فديتك" (إش22:44).
5 ـ الروح القدس ومسحة المرضى:
          الروح القدس، بكونه روح الله، يعلن أن يسوع المسيح هو الطبيب الحقيقى لأجسادنا ونفوسنا وأرواحنا. يقول يعقوب الرسول: " أمريض أحد بينكم فليدعُ قسوس الكنيسة فيصلّوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب، وصلاة الإيمان تشفى المريض والرب يقيمه، وإن كان قد فعل خطية تُغفر له" (يع14:5ـ15). فالروح القدس يعمل خلال هذا السر ليحقق:
          1 ـ إقامة عبادة ليتورجية، إذ يوّحد الروح القدس الكهنة خدام السر مع عائلة المريض وأصدقائه ليعلنوا محبتهم الصادقة نحو المريض. فهذا السر المقدس ليس هو عمل الكاهن وحده ـ أن يصلى من أجل المتألمين ويشاركهم مشاعرهم ـ إنما يشترك الشعب معه فى هذا العمل.
          2 ـ شفاء المرضى، ليس فقط جسديًا بل وشفائهم نفسيًا وروحيًا، فنحن نؤمن بوحدة الحياة "فى المسيح"، ولا نقسمها إلى حياة جسمانية وأخرى نفسية وثالثة روحية، إنما هى حياة واحدة متكاملة.
          3 ـ قبول إرادة الله، وأن لا ييأس المتألمون بل يتقبلون الآلام كشركة فى صليب المسيح.
          ومما يجدر ملاحظته أننا فى هذا السر لا نصلى من أجل مريض واحد بعينه، وإنما نطلب أيضًا من أجل كل المرضى وكل مَنْ هم تحت الآلام والضيقات.


6 ـ الروح القدس وسر الزيجة:
          يمنح الروح القدس المؤمنين الشركة مع الآب بالمسيح لكى نكون جسدًا واحدًا فى المسيح، أى كنيسة واحدة. والروح نفسه يعمل فى سرّ الزيجة:
          1 ـ واهبًا العروسين وحدة خاصة فى المسيح. إنه يُغيّر مفهوم "الزواج" من كونه عقدًا اجتماعيًا إلى عمل إلهى، به تصبح الأسرة الجديدة كنيسة المسيح، كنيسة العائلة المقدسة حيث يسكنها المسيح. فالروح ذاته هو الذى يؤسس الكنيسة المنزلية.
          2 ـ مانحًا أعضاء الأسرة القوة للشهادة للحياة الإنجيلية من خلال حبهم ووحدتهم فى المسيح.
          3 ـ محققًا الوحدة الحقيقية بين العروسين فى المسيح فيصيرا جسدًا واحدًا، بل وينالا أيضًا نوعًا من الوحدة الروحية مع كل جسد المسيح (أى الكنيسة).

7 ـ الروح القدس وسر الكهنوت:
          يتقبل المُسامون نعمة خاصة من الروح القدس، هى نعمة "روح الأبوة"، بها يخدمون كنيسة الله، لا بقدراتهم الذاتية بل بالروح القدس، روح المسيح. أيضًا يوّحد الروح القدس الكهنة برئيس الكهنة الأعظم، الذى وحده يستطيع رعاية جسده، أى الكنيسة.

Post a Comment

أحدث أقدم