فشل المسيح فوق الصليب: نظرة الشيطان وتجربة الانتصار الفوري
في العقيدة المسيحية، يعتبر صلب المسيح وقيامته حجر الزاوية في الإيمان والفداء. ولكن، كيف يمكن تفسير ما يبدو وكأنه "فشل" للمسيح على الصليب؟ وكيف يعكس ذلك منظور الشيطان وتجربة الانتصار الفوري؟ هنا، نستعرض تعاليم القديس توما الأكويني ونظرة اللاهوتي البلجيكي إدوارد سخلبيكس لفهم أعمق لهذا الموضوع.
مفهوم "الشهوة الرديئة" ودورها في تجربة المسيح
يستخدم القديس توما الأكويني تعبير "الشهوة الرديئة" (concupiscentie) للإشارة إلى الرغبة في الحلول السهلة والسريعة التي تتجاهل ثقل الحياة وواقعية التحديات التي نواجهها. في روايات الأناجيل، الشيطان هو الذي يعد بحلولٍ سريعة وسحرية، مثل تحويل الحجارة إلى خبز. هذه الرغبة في الحلول السهلة تخلق عالماً خيالياً يتناقض مع الحقيقة، حيث يُغيب الله وتُستغل الحرية الإنسانية بشكل خاطئ.
الفداء الإلهي والتعامل مع واقع العالم
الفداء الإلهي، كما يتجلى على الصليب، يتعامل مع العالم بكونه عالمًا مستقلًا. بهذه الطريقة، يُنَجِّي العالم من تغييب الله. الشهوة الرديئة، والحلول السهلة والفورية، تُغيب الله وهي النتيجة الطبيعية لاستغلال العالم وحرّيّته والفهم الخاطئ لله. لكي ينجو العالم من الشعور بغياب الله، عليه أن يتخلّص من الآلهة المزيّفة التي تغتصب مكانه.
نظرة الشيطان للمسيح على الصليب
نظرة الشيطان للمسيح على الصليب هي نظرة تشفٍّ وتحدٍّ، وهي ما وُضعت على لسان أحد اللصين: «إن كنتَ ابن الله خلّص نفسك وخلِّصنا». هذه النظرة تدعو إلى حلٍّ سريعٍ لا يحترم تناقضات العالم، ويقضي على إنسانية المسيح بتقديم حلول سحرية وفورية. في هذا الوقت، يبدو الشيطان وكأنه يحتضن أتباعه بينما يظهر الآب السماوي كأنه أهمل ابنه.
هل ترك الله المسيح؟
اللاهوتي البلجيكي إدوارد سخلبيكس يعالج هذا الموضوع في كتابه "المسيح سر الالتقاء بالله". يوضح سخلبيكس أن المسيح أصبح إنسانًا كاملاً، وفي هذا الإطار، دخل الابن في البشرية التي عانت من الإدانة والعصيان والتغرّب عن الله: الموت. بولس الرسول يعبّر عن هذا بقوله: «إن الله جعل المسيح خطيئة». مع أن المسيح شخصيًا بلا خطيئة، إلا أنه كممثل للبشرية الخاطئة، عاش تجربة التغرّب عن الله.
تجربة المسيح ومعاناته
في بستان الزيتون وعلى الصليب، عاش المسيح تجربة رائعة ومخيفة وصلت إلى ذروتها. في جوهر وجوده الشخصي البشري، كان يسوع حقًا ذاك الذي حمل ثقل خطايانا. في هذه اللحظات، صرخ يسوع إلى الله من أعماق بؤس البشرية الساقطة، معترفًا بحاجته إلى مجد الله.
القيامة: استجابة الآب لصلاة الابن
استجابة الآب لصلاة الابن وتقدمةِ ذاته عن حياة العالم تتجلى في القيامة. ليست استجابة الآب كتجربة الشيطان التي تبحث عن حلٍّ سحريّ. قبول الآب لذبيحة المسيح تمثّل في قيامة المسيح. القيامة هي ذبيحة "الصليب" التي سمعها الآب واستجاب لها، وكان هذا على وجه الدقة كذبيحة مسيحانية؛ كذبيحة البشرية بأسرها. في هذا القبول فقط أصبح الفداء الفعلي حقيقة؛ لأن المسيح "رأسنا" قد افتُدينا نحن جميعًا في المبدأ.
الخاتمة
فشل المسيح على الصليب، كما يبدو من منظور الشيطان، هو في الحقيقة انتصار الفداء الإلهي. رفض الإنسان للفداء الإلهي يُنكِر حضور الله في العالم، ومع ذلك، فإن قبول الآب لذبيحة المسيح في القيامة يؤكد على أن الفداء هو حقيقة واقعة. إن تجربة الشيطان للحلول السريعة لا تحترم تناقضات العالم، بينما الفداء الإلهي يتعامل مع هذه التناقضات بعمق واحترام. في النهاية، تظل قيامة المسيح هي الاستجابة النهائية لصلاة الابن ولذبيحته، ممهدة الطريق لخلاص البشرية بأسرها.
إرسال تعليق