أزمة إيمان: تحذيرات الأب متى المسكين للكنيسة القبطية
مقدمة
يشكّل الأب متى المسكين قامة روحية فريدة في تاريخ الكنيسة القبطية الحديثة. وقد تميّز بنظرته الثاقبة لواقع الكنيسة وإيمانها. وفي إحدى مقالاته، أطلق الأب متى صرخة تحذير من أربع ظواهر خطيرة اعتبرها بمثابة "تحوّل خطير" يُهدّد حياة الكنيسة. سنُحاول في هذه المقالة التعمّق في هذه التحذيرات وفهم أبعادها ومغزاها.
الطقوس بديلًا عن الإيمان
أشار الأب متى إلى خطر تحوّل الطقوس إلى بديل عن الإيمان نفسه. فبدلًا من كونها وسيلة للتعبير عن الإيمان وتعميقه، أصبحت الطقوس هدفًا بحدّ ذاتها. فبات يكفي التشبّث بالطقوس للحصول على صفة "الأرثوذكسية"، بينما يتلاشى جوهر الإيمان الحقيقي.
الممارسات الخارجية بديلًا عن نقاوة القلب
حذّر الأب متى من خطر استبدال الممارسات الخارجية، مثل الاستحمام وغسل الفم، بنقاء القلب والضمير. فبينما تُشدّد هذه الممارسات على الطهارة الجسدية، فإنّها تُغفل جوهر الطهارة الروحية التي تتمثّل في التخلّص من العداوة والكراهية. وقد أكدّ السيد المسيح على هذه الحقيقة بقوله: "وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم" (مت 6: 15).
الكهنة بديلًا عن المسيح
أشار الأب متى إلى خطر اتخاذ الكهنة مكان المسيح نفسه. فبدلًا من كونهم خدامًا للإنجيل وسُفراء للمسيح، أصبح البعض ينظر إليهم كبديل عن المسيح، مُكرّسين للخضوع والطاعة لهم أكثر من الخضوع للمسيح نفسه. وهذا التوجّه يُهدّد وحدة الكنيسة ويُعمّق الانقسامات في داخلها.
الأعمال بديلًا عن النعمة
حذّر الأب متى من خطر استبدال الأعمال بالنعمة، فلم يعد الخلاص بالإيمان مقبولًا. ويرى أن الإيمان وحده هو مصدر القداسة، لأنه يرشدنا إلى روح القداسة. أما التركيز على الأعمال دون إيمان حقيقي، فيُؤدّي إلى فهم مُشوّه للخلاص ويفقد الإنسان معناه الحقيقي.
خاتمة
تُعدّ تحذيرات الأب متى المسكين بمثابة دعوة للتوبة وإعادة النظر في واقع إيمان الكنيسة القبطية. فهي تُشير إلى ضرورة العودة إلى جوهر الإيمان المسيحي، وإلى دور الطقوس كمُعبّر عن هذا الإيمان وليس كبديل عنه. كما تُؤكّد على أهمية نقاء القلب والضمير، وعلى مركزية المسيح في حياة الكنيسة، وعلى دور النعمة في الخلاص. وتُذكّرنا هذه التحذيرات بأنّ الكنيسة ليست مؤسسة جامدة، بل هي جسد حيّ يحتاج إلى التجديد والتطهير ليتمكّن من الاستمرار في رسالته الإلهية.
إرسال تعليق