الإنسان والمسيح: ومفهوم الطبيعة الواحدة، شركاء في الاتحاد الإلهي

الإنسان والمسيح: ومفهوم الطبيعة الواحدة، شركاء في الاتحاد الإلهي

الإنسان والمسيح: ومفهوم الطبيعة الواحدة، شركاء في الاتحاد الإلهي


مقدمة


كثيرا ما يثير مفهوم اشتراك الإنسان في الطبيعة البشرية، مع احتفاظه بطبيعته الخاصة، حيرة  لدى البعض.  ويزيد الأمر غموضا عند الحديث عن طبيعة الله الواحدة المشتركة بين الأقانيم الثلاثة.  سنحاول في هذه المقالة  تسليط الضوء على هذا المفهوم من خلال شرح القديس كيرلس الإسكندري،  مع توضيح  للنقاط  المتشابهة بين طبيعة الإنسان وطبيعة الله،  وإبراز سر الاتحاد في المسيح.


طبيعة الإنسان: بين العام والخاص


يشير القديس كيرلس إلى أن طبيعة الإنسان واحدة،  فبطرس وبولس وكل إنسان يشترك في  نفس الطبيعة البشرية،  رغم اختلاف كل منهم عن الآخر.  ولفهم هذه الفكرة،  قسم آباء الكنيسة  الطبيعة إلى  "طبيعة مجردة"  مشتركة بين الجميع،  و "طبيعة متخصصة"  تميز كل فرد عن الآخر.  


ولتوضيح ذلك،  يمكننا  التفكير في شجرة الزيتون.  فجميع أشجار الزيتون تشترك في نفس الطبيعة،  ولكن  كل شجرة  تتميز بخصائصها الفريدة.  يمكننا  أخذ فرع من شجرة  وتطعيمه في  أخرى،  ومع ذلك ستظل كل شجرة  متميزة عن الأخرى.


طبيعة المسيح: اتحاد اللاهوت والناسوت


عند الحديث عن اتحاد الطبيعة البشرية والطبيعة الإلهية في المسيح،  فإننا نشير إلى الطبيعة المتخصصة.  فقد اتحدت الطبيعة البشرية  الممثلة في السيد المسيح أقنوميا مع الطبيعة الإلهية الممثلة في أقنوم الكلمة.  وهذا ما يعبر عنه باتحاد اللاهوت والناسوت.


ويمكننا القول أن المسيح،  بفضل هذا الاتحاد الأقنومي،  أصبح قادرا على جمع البشرية كلها في جسده.  وهذا هو سر الخلاص في الإفخارستيا،  حيث نشترك نحن أيضًا في الطبيعة الإلهية من خلال المسيح.


النفس: سر الخلق


كانت فكرة خلق النفس محل خلاف بين الفلاسفة،  فمنهم من اعتقد أنها تُخلق مع الجسد أو بعده.  لكن تجارب الاستنساخ الحديثة أثبتت أن النفس موجودة في الخلايا المكونة للجنين وتنمو معه.


وفي إيمان الكنيسة  الشرقية،  نميز بوضوح بين الطبيعة والأقنوم.  فنستخدم مصطلح "الطبيعة"  بمعنى الجوهر،  وليس بمعنى الأقنوم.  ففي صلاة باكر،  نقول عن الثالوث:  "طبيعة واحدة"،  مما يؤكد أن  "الطبيعة"  لا تعني  "الأقنوم".


الزمان والمكان: سر الوحدانية


يمكن القول أن   تفرد طبيعة الإنسان،  رغم اشتراكها بين البشر،  يعود إلى  كونها محدودة بالزمان والمكان.  فلا يمكن لشخصين أن يتواجدا في نفس المكان والزمان،  ولا يمكن لشخص واحد أن يكون في مكانين في نفس الوقت.


  أما الله،  فهو فوق الزمان والمكان،  ويملأ كل مكان وزمان.  بالإضافة إلى  كونه روحا،  وليس مادة محدودة،  مما يسمح للأقانيم بالتواجد معًا في كل مكان وزمان،  بفضل وحدانية الجوهر والطبيعة.  فالإبن في حالة ولادة دائمة من الآب بالطبيعة،  وكذلك الروح القدس في حالة انبثاق دائم من الآب بالطبيعة.


خاتمة


تؤكد هذه المقالة  على  أهمية  فهم مفهوم الطبيعة  في  الإنسان وفي الله.  فرغم اشتراك البشر في الطبيعة البشرية،  فإن لكل إنسان  طبيعة متفردة تميزه عن الآخرين.  أما الله،  فله طبيعة واحدة مشتركة بين الأقانيم الثلاثة،  وهو فوق الزمان والمكان ويملأ كل مكان وزمان.


ويكمن سر الخلاص في  اتحاد اللاهوت والناسوت في المسيح،  الذي جمع  البشرية  كلها في جسده، ومنحنا  الشركة في  الطبيعة الإلهية.


Post a Comment

أحدث أقدم