تقليد رسولي: الصوم الأربعيني في تعاليم كنيسة الإسكندرية

apostolic-tradition-the-fortieth-fast-in-the-teachings-of-the-church-of-alexandria
 

تقليد رسولي: الصوم الأربعيني في تعاليم كنيسة الإسكندرية


الصوم الأربعيني يعتبر تقليدًا رسوليًا، وهو جزء من تعاليم كنيسة الإسكندرية منذ القدم. فقد أشار القديس كيرلس الأول، أحد أبرز أعمدة الإيمان، في عظاته إلى أن الصوم الكبير هو "حسب التقليد الرسولي". وكذلك، أكد البطريرك ثيؤفيلس على هذا الأمر في خطاباته الفصحية. ولقد تحدث القديس إيريناوس، المعروف بـ "أبو التقليد الكنسي"، عن أهمية الصوم الأربعيني الكبير، مؤكدًا أنه يعود إلى أيام الرسل وأن طقوسه يتبعها المؤمنون في جميع أنحاء العالم.


يعتبر الصوم تقليدًا قديمًا جدًا، فقد عُرف منذ زمن آدم الأول، كما أوضح القديس يوسابيوس القيصري والمؤرخ سقراط سوزمين في تاريخيهما. وقد أكدت كنيسة مصر القبطية هذا التقليد بصومها الذي يمتد لسبعة أسابيع كاملة، بينما يشير القديس يوحنا كاسيان إلى أن الأقباط يُقدمون صومًا في الصوم الكبير.


في قوانين أبوليدس الروماني، المعروفة أيضًا باسم التقليد الرسولي لهيبوليتس Hippolytus، نجد صيغة إخبارية تُشير بوضوح وقوة إلى أيام الصوم الكبير، حيث تُحدد الأربعاء والجمعة كأيام رئيسية للصوم، والذي يمتد لعدد معين من الأيام والذي يزيد عليها ينال أجرًا.


وفي الديسقولية، يُشدد على أهمية الصوم الأربعيني المقدس، مشيرًا إلى أنه يجب أن يتم صومه في كل عام لمدة أربعين يومًا، تمامًا كما صام موسى وإيليا النبيان العظيمان، وجميع الأنبياء في العهد القديم، وأن سيدنا المسيح بدأ بهذا الصوم قبل آلامه المحيية.


وفي كتاب "مصباح الظلمة" للأب القس أبو البركات، المعروف أيضًا باسم ابن كبر، يُذكر عن الصوم الكبير قائلًا: "كان الآباء الرسل القديسون الأطهار، ومن تبعهم من المؤمنين، يصومون الأربعين المقدسة".


يشير العلامة أوريجينوس إلى الأصوام التي يجب الالتزام بها، حيث يؤكد أنها تشمل الصوم الأربعين المقدسة وأيام الأربعاء والجمعة. وقد أشار المؤرخ روفنيوس إلى تصريح أوريجينوس في تفسيره لسفر اللاويين.


وفي الديسقولية، وُضعت عقوبة على أي شخص يتجاهل صوم الأربعين المقدسة وأيام الأربعاء والجمعة، حيث يُطالب بقطع العمل الخدمي لمن يخالف هذه التعليمات، باستثناء الحالات الصحية أو الظروف العامة التي تبرر الامتناع.


وبعض الآباء القديسين القدامى كانوا يربطون بين الصوم الأربعين المقدسة وعدد الساعات التي قضاها الرب في القبر، حيث يُعتبر صومنا خلال هذه الفترة تخليدًا لكل ساعة من تلك الأربعين ساعة التي قضاها المسيح في القبر.


يعود الصوم الأربعيني إلى العصر الرسولي، حيث كان موجودًا منذ القرن الأول المسيحي وتمارسه الكنيسة في جميع أنحاء العالم، حيث كان المسيحيون يصومون خلاله.


ويشار إلى الأربعين المقدسة في رسائل الفصح لباباوات الإسكندرية، حيث أكد البابا أثناسيوس الرسولي، الذي يعتبر حاميًا للإيمان البطريرك العشرين، قاعدة الصوم الكبير في عدة رسائل فصحية، بما في ذلك الرسالة الفصحية الثانية والثالثة والسادسة والسابعة.


وكان طقس تكريس الميرون المقدس يتم خلال فترة الأربعين يومًا، حيث قام قداسة البابا شنودة الثالث بتنفيذ هذا الطقس مرتين خلال عهده المبارك، وذلك خلال فترة الأربعين المقدسة.


يُتحدث البابا كيرلس الكبير، عمود الدين، في رسائله الفصحية عن أهمية الأربعين المقدسة، وتُحدد قاعدة الصوم الكبير من خلال رسائل القديسين أثناسيوس وكيرلس، وطقس الميرون.


ويُذكر الصوم الأربعيني في القانون الخامس من قوانين مجمع نيقية، كشيء ثابت ومُقرر في الكنيسة المسيحية في جميع أنحاء العالم. وقد ذُكرت هذه الممارسة الروحية في قوانين الرسل، حيث يُفترض أنها تتبع ما فعله السيد المسيح.


الصوم الأربعيني كان من بين الممارسات الروحية التي اتبعتها كنيسة الرسل كقاعدة لها. إنها الكنيسة التي تُعتبر باب السماء وفلك النجاة الحقيقية، لأنه كما جاء في الكتاب المقدس "كل من كان خارجها هلك". ومن خلال اختبار الصوم الكبير المقدس، نبني حياتنا ونتواصل مع شعب الله الحقيقي، ونمر بالصوم متشابهين مع المسيح الذي صام لأجلنا، وكما صام الأنبياء القدامى مثل داود ودانيال وحزقيال ونحميا وعزرا، لنكون غالبين للعالم والشيطان، لأنه كما قيل "هذا الجنس لا يخرج إلا بالصوم والصلاة".



Post a Comment

أحدث أقدم