أحد السامرية _ الأحد الرابع للصوم الكبير
المسيح يسوع ينبوع الماء الحي: رؤية جديدة لقراءة إنجيل السامرية
في كل سنة قبطية ليتورجية، يأخذ إنجيل السامرية (يو4: 1-42) مكانته الخاصة في صلواتنا الكنسية، حيث يُقرأ ثلاث مرات: في أحد الصوم الكبير، وأحد الخماسين المقدسة، ويوم عيد العنصرة. ومن خلال ترنيم المديحة المخصصة لهذه المناسبة، نفتح أنفسنا للمسيح الذي يدعونا للشرب من ينبوع الماء الحي، كما فعل مع المرأة السامرية. فنحن نسعى أيضًا لتجربة تحولات مشابهة، حيث نتحول من خطاة إلى كارزين ومبشرين بفضل الرحمة والغفران.
هذه القراءة تذكرنا بأن المسيح ليس فقط نبع الحياة الأبدية، بل هو أيضًا الراعي الذي يشق طريقه من أجل خلاص البشرية. يتحمل عبء التعب والمشقة من أجل الفرح الموعود لنا. وهكذا، في كل مرة نلتقي فيها بالمسيح في صلواتنا وقراءاتنا، نجد أنفسنا مشبعين من ينبوع حي يروي روحنا.
إن رؤية المسيح يتحدث مع المرأة السامرية تذكرنا بأننا مدعوون أيضًا لنشر الخبر السار والعطاء للآخرين. لقد زرع الآخرون قبلنا، والآن حان دورنا لحصاد ما زرعوه. يحتاج العالم إلى شهود يعيشون برحمة المسيح وينقلونها إلى الآخرين بحب وتفانٍ.
قوة في الضعف: مسيرة يسوع ومعنى التعب
في رحلته المتعبة عبر السامرة إلى الجليل، كان يسوع لا بد له من أن يجتاز سوخار. وفي وقت الظهيرة، وهو الساعة السادسة، وجد نفسه تعباً جداً وجلس على بئر. تبدأ هنا الأسرار، فالمسيح لم يكن يتعب دون هدف. بل هو كان يعبر عن قوة الله التي تجلب الراحة للمتعبين، ولكن هذه المرة كان المسيح نفسه يشعر بالتعب. فكيف يمكن لمن يعطي القوة للآخرين أن يتعب؟
إنها التضحية من أجلنا، فتعب المسيح كان من أجلك ولأجلي، حيث قطع مسافات طويلة ليصل إليك. يظهر المسيح هنا قويًا وضعيفًا في الوقت نفسه، لأنه هو كلمة الله التي خلقت كل شيء، ولكنه أيضًا اتخذ جسداً وأصبح ضعيفاً. إذا كانت قوته التي خلقتنا، فضعفه كان الذي أعاد خلقنا ومنحنا الحياة الأبدية.
لذلك، في ضعف يسوع، نجد قوتنا. فنحن لسنا ضعفاء بل أقوياء في ضعفه، لأن قوة الله تظهر في الضعف. كما هو مكتوب: "ضعف الله أقوى من الناس" (كورنثوس الأولى 25).
تضحية المسيح وقوة الضعف: رمزية آدم والعروس الكنسية
في أعمق ضعف آدم، وهو نائم، وُهبت له زوجته من جنبه، هكذا كان المسيح على الصليب، في أقصى حالات ضعفه، حيث ترك "باكورة الراقدين" وانفصلت نفسه عن جسده، وفي هذا الضعف البالغ، خرجت عروسه، الكنيسة، من جنبه المفتوح بالحربة، رمزًا للخلاص والحياة الجديدة.
إن ضعف المسيح الذي وصل إلى أقصى حدوده هو مصدر قوتنا. لقد جاء متعبًا ومتضاعٍ، حاملاً جسدًا ضعيفًا، ووصل إلى عمق الأرض كما وصل إلى عمقنا. هذا ما أشار إليه المزمور قائلاً: "من الأعماق صرخت إليك يا رب" (مزمور 13:1). وكان جلوسه على البئر يعبر عن تواضعه وتضحيته.
معنى العلاقة مع الرب: البحث عن الزوج الحقيقي
ماذا يعني الرب بقوله: "أدعي زوجك؟" هذا السؤال يثير استفسارًا حول العلاقة بين النفس والله، ولماذا لا يمكن أن يكون الرب نفسه الزوج الحقيقي للنفس؟ الإجابة تكمن في فهم عميق ومنتبه للروحانيات.
في الواقع، إذا كانت لدينا نفوس ولكن لم يكن لدينا فهم، فإن ذلك يشير إلى حياة مجردة من الروحانية، فالمسيحية تدعو إلى فهم عميق يتجاوز العالم المادي. إن السامرية كانت تعيش في هذا الجو المادي، حيث كانت تفكر فقط في الحاجات الزائلة. ومع ذلك، كان الرب يدعوها للتفكير في الروح القدس والأبدية.
لماذا كانت مخطئة؟ لأنها لم تكن متزوجة بزوج حقيقي، بل كانت على علاقة بعشيق. لذا، الدعوة هنا هي للتحرر من تلك العلاقات الضارة والتمسك بالعلاقة مع الرب كزوج حقيقي. لذا، الرسالة هي "أذهبي وأدعي زوجك"، أي التوجه إلى الرب والتعرف عليه كزوج حقيقي والاستمتاع بالعلاقة المحبة معه.
السجود لله بالروح والحق: فهم العبادة الحقيقية
قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ. أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ . لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ. وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا».
في هذا النص، يتحدث السيد عن أهمية السجود لله بالروح والحق، بدلًا من التركيز على الأماكن المادية مثل الجبال أو المعابد. يُظهر لنا السيد أن العبادة الحقيقية تأتي من القلب والروح، وأن الله يبحث عن السجودة الصادقة التي تتم بروحية وحقيقة.
في البداية، يستشهد السيد بحديثه مع المرأة السامرية، حيث أوضح لها أن العبادة ليست مقتصرة على مكان محدد، بل يمكن أن تتم في أي مكان وفي أي وقت، بشرط أن تكون بالروح والحق.
يشير السيد إلى أهمية التواضع أمام الله، فالله ينظر إلى المتواضعين ويسكن قلوبهم، بينما يتجاهل المتكبرين. لذا، يدعونا السيد إلى التواضع والبحث عن الارتقاء الروحي، بدلاً من السعي وراء المظاهر الخارجية.
وختامًا، يشجع السيد على تحويل العبادة الخارجية إلى تجربة داخلية حقيقية، حيث يكون الإنسان هو الهيكل الحقيقي لله، والسجود في القلب يعبر عن العلاقة الحميمة مع الله، الذي يسكن في أعماقنا ويسمع صلواتنا الحقيقية.
تحول العجيب: من الماء إلى الإيمان
قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ».
في هذا النص، يستكشف الكتاب المقدس لقاء يسوع بالمرأة السامرية والتبادل الحيوي الذي حدث بينهما. بينما تتحدث المرأة عن المسيا الذي يأتي، يعلن يسوع ذاته لها كمسيح. هذا اللقاء يُظهر التحول الذي يحدث في قلب المرأة، حيث يتم تكوين إيمانها وتأكيده.
يوضح يسوع للمرأة أن الإيمان الحقيقي يأتي بالتسامح من الروح والحق، وليس بالتمسك بالتقاليد أو الأماكن الدينية المحددة. يشير إلى أن المسيا سيحل محل الهيكل والجبل كمركز للعبادة، وسيعلم الناس كيف يعبدون بالروح والحق.
المرأة، بمجرد أن تقبل يسوع كمسيح، تترك جرارها وتذهب لتعلن البشارة للآخرين. يُظهر هذا التحول العميق الذي يحدث في قلب المرأة بمجرد قبولها إيمانًا بالمسيح. يعلم يسوع التلاميذ بالعمق الروحي للإيمان والتعبير عن مشيئة الله بطريقة غير مباشرة، حيث يعلن أنه الطعام الحقيقي الذي يروي الروح ويقوي الإيمان.
بهذا النص، يوضح الكتاب المقدس أهمية التحول الروحي والإيمان العميق، وكيف أن قبول يسوع كمسيح يؤدي إلى تحول حقيقي في حياة المؤمنين، حيث يعبرون عن إيمانهم بالروح والحق في جميع جوانب حياتهم.
الحصاد الروحي: استعدادًا للمهمة
.
قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ. أَمَا تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ؟ هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ. وَالْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَرًا لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعًا.
في هذا النص، يشير يسوع إلى أهمية استعداد الحقول للحصاد الروحي. يظهر يسوع حماسه واستعداده للعمل في ميدان الخدمة الإلهية، مشيرًا إلى أن الحقول قد أبيضت للحصاد.
يقدم يسوع صورة مثيرة للتأمل حول دور الحاصدين والزارعين في ميدان الخدمة الإلهية. يشير إلى أن الحاصدين يجب أن يذهبوا إلى حيث تعب الزارعون، أينما كانت هناك فرصة للحصاد الروحي.
النص يبرز أهمية تعاون الجميع في العمل الإلهي، حيث يشير يسوع إلى أن كل من الزارعين والحاصدين سيشعرون بالفرح معًا بنتائج عملهم. يسلط الضوء على أن كل فرد يساهم بجهده وتعبه في خدمة الله، سواء كان الزراعة أو الحصاد.
في الختام، يؤكد النص على دور يسوع كمصدر للحياة والفرح، وكيف أن خدمته تجلب الحياة الأبدية لكل من يعمل معه ويتبعه.
إرسال تعليق