الرؤي التطورية عند الفلاسفة المسيحيين

الرؤي التطورية عند الفلاسفة المسيحيين


الرؤي التطورية عند الفلاسفة المسيحيين


المحتويات


1 – مُقدمة

2 – القديس باسيليوس الكبير – St. Basil the Great

3 – القديس غريغوريوس النيصي – St. Gregory of Nyssa

4 – القديس أغسطينوس – St. Augustine

 5– الخاتمة


1 – مُقدمة

من المعروف ان نظرية التطور بالانتخاب الطبيعي التي أسسها العالمان تشارلز داروين Charles Darwin و ألفريد والاس Alfred Wallace هي النظرية التي يستند عليها علم الاحياء الحديث , حيث نجد عالِم الوراثة و الاحياء التطورية ثيؤدوسيوس دوبزهانسكي Theodosius Dobzhansky يقول :


" لا شئ في علم الأحياء من الممكن أن يكون منطقياً إلا في ضوء التطور "


لكن فكرة ترابط الحياة لم تكُن جديدة بهذا الشكل , إن ما فعله داروين و والاس هو انهما ربطا شجرة العائلة للحياة بشكل صحيح , و فسروا ترابطها بشكل صحيح و قدموا عليها الأدلة العلمية , قبل هذا لم يكُن التصور صحيحاً , على الأقل بالشكل الذي نعرفه الآن عن شجرة الحياة , ولا كان التفسير علمياً , ولا الأدلة المادية كانت موجودة , فقد كانت كل الأفكار فلسفة ..


2 – القديس باسيليوس الكبير St. Basil the Great


القديس باسيليوس الكبير هو أحد الآباء الكبادوك الذين عاشوا في القرن الرابع الميلادي , و هو أيضاً الذي يُنسب له " القداس الباسيلي " , كتب عدة كتابات و مقالات و رسائل و تفسيرات , منها تفسير أسمه :

ستة أيام الخليقة – Hexaemeron , و هو التفسير الذي سنقتبس منه لنعرف رؤيته لكيفية الخلق ...


القديس باسيليوس الكبير كان يرى بأن الله وضع ما نحن نُسميه الآن   " قوانين الطبيعة " و تركها تعمل لإنتاج الحياة من اللاحياة , نراه في تفسيره للعدد الثاني من سفر التكوين الذي يقول ان روح ترف على وجه المياه يتكلم قائلا :


إن المعنى لهذه الكلمات ( روح الله ترف على وجه المياه ) أن الروح القُدس كان يُهيئ طبيعة المياه ليجعلها تلد كائنات حية , إن هذا لدليل كافٍ للاجابة على الذين يسألون عمّا إذا كان للروح القُدس دور في الخلق


و نراه يؤكد نفس المعنى في تفسيره للعدد 11 في الاصحاح الأول من التكوين حيث يرى أن الله خلق الأرض لتُنبت هي بنفسها بدون أي حاجة لمُساعدة أو تدخل خارجي


و في تعليقه على العدد 20 في الاصحاح الأول من التكوين يقول :

لماذا ستُعطي المياه الميلاد أيضاً للطيور ؟


لإنه توجد علاقة عائلية بين المخلوقات الطائرة و هذه التي تسبح في الماء

فمن الواضح أن القديس باسيليوس الكبير آمن أن الله قد هيأ الطبيعة لتلد هي فيما بعد الاحياء كما فعل مع المياه لتلد الحياة , كما انه آمن انه ان المخلوقات الطائرة و التي تسبح تعود لنفس العائلة في الأساس


3 – القديس غريغوريوس النيصي St. Gregory of Nyssa


القديس غريغوريوس النيصي هو الأخ الأصغر للقديس باسيليوس الكبير , مع العلم أن القديس غريغوريوس النيصي شخصاً آخر غير القديس غريغوريوس النزينزي المُلقب بالثيؤولوغوس ( الناطق بالإلهيات ) و الذي يُنسب له القداس الغريغوري , و هما الأثنين شخصين آخرين غير القديس غريغوريوس العجائبي


كتب هذا الفيلسوف عدة كتابات و رسائل أيضاً , منها كتابه :


ستة أيام الخليقة – Hexaemeron , و الذي هو تكملة و دفاعاً عن كتاب أخيه القديس باسيليوس الكبير الذي يحمل نفس الاسم

نرى أن له نفس رأي أخيه فنراه يقول :


قبل ان أبدأ , دعوني أشهد انه لا يوجد اي تعارض مع ما كتبه القديس باسيليوس حول خلق العالم

يعتقد القديس غريغوريوس ان الله بدء الخلق بشكل بدائي , و كانت في دفعته الأولى للخلق القوة التي تحتوي كل شئ سيأتي فيما بعد

نراه يقول :


يظهر بوضوح ان قوة الله كانت فوق كل شئ في بداية الخلق حيث أتى للوجود من خلال دفعة واحدة منه , فقد كانت قوته المؤثرة تحتوي بداخلها كل كائن مخلوق أتى للوجود من خلال مُبادرة واحدة


و يقول أيضاً في تفسيره للعدد القائل الأول من سفر التكوين :


هو يقول ( يقصد موسى ) أن الله جعل ملئ الكائنات في ان تتبع نظام طبيعي مُحدد


و يقول أيضاً :


كل الأشياء كانت بالفعل في البدء دفعة إلهية للخلق , موجودة و كأنها نوع من القوة المنوية , أُرسلت لتنشر أجيال كل شئ , حيث أن الأشياء المُنفردة لم تكُن بعد قد وُجدت حقاً


4 – القديس أغسطينوس St. Augustine


القديس أغسطينوس , أحد أعظم الفلاسفة المسيحيين الذين عاشوا في القرن الرابع و الخامس الميلادي , بل و في التاريخ المسيحي بأكمله , أثرت أفكاره و كتبه في الكنيسة الغربية بشكل قوي جداً , يُعتبر كتاب : مدينة الله – The City of God , هو أشهر كتبه , لكننا في هذا الموضوع سنقتبس من كتاب آخر اسمه : المعنى الحرفي للتكوين – The Literal Meaning of Genesis


نجده يُعلق على العدد الثاني من الاصحاح الأول للتكوين قائلاً :


من الواضح ان سفر التكوين أراد من تسميته " الماء " ( حيث يقول النص ان روح الله يرف على وجه الماء ) أن يقصد بها " كل المادة الأساسية للخليقة الجسدية " , ليقترح بهذه الطريقة أن كل الأشياء التي نستطيع ان نُميزها بُناء على نوعها , صُنعت و تَشكَلت منها ( الماء ) , دعاها بالماء لإننا نستطيع أن نُلاحظ أن كل الأشياء على الأرض قد تَشَكَلت و نَمَت بمُختلف أنواعها من المادة الرطبة

نجده يقول أيضاً :


الله قد أنشأ قوانين ثابتة تحكم تكاثر الأنواع و صفات الكائنات الحية , و تجلبهم من الخفاء إلى الإطلالة الكاملة


و أيضاً :


كما أنه في البذور , كان يوجد بشكل خفي كل شئ سينمو فيما بعد ليُصبح شجرة . فإننا يجب أن نتصور العالم بنفس الطريقة , حيث صنع الله كل شئ في آن واحد ... و هذا يحتوي أيضاً الكائنات الحية التي ستُنتجها الأرض بقوتها الكامنة ( Potentially ) بشكل سببي ( causally ) قبل أن يظهروا في مجرى الزمن


في الواقع , إن التعليق بأكمله كان هاماً , و لكن هُناك شيئاً مُختلفاً قليلاً عند القديس أُغسطينوس عن القديس باسيليوس الكبير و القديس غريغوريوس النيصي , فإن كلامه غير واضح بالضبط ما إذا كان يعني فعلاً أن الكائنات الحية انتمت سابقاً لعائلة واحدة كما ظن القديس باسيليوس و كما اتبعه القديس غريغوريوس , أم أنه اعتقد أن كل نوع قد صُنع باستقلال من خلال قوانين الطبيعة التي خلقها الله في البدء ؟!!


إن مثال الشجرة التي تنمو من البذرة هو مثال لا يتأخر عُلماء الاحياء التطورية في استعماله لتشبيه عملية التطور الاحيائي و في شرح الترابط العائلي بين كل الأنواع الحيّة , لكن , أكان يقصد القديس أُغسطينوس ان الكائنات الحية سارت بشكل ما من عائلة واحدة إلى التنوع الذي نراه ؟ أم انه قصد ان الكون ككل بدأ بشكل بدائي كبذرة ثم انبثقت منها كل شئ و ليس بالضرورة انهم كانوا عائلة واحدة ؟


لا استطيع ان أُقدم اجابة في إطار الحد الذي وصلت له من البحث..


و لكن واضح و بدون شك أن القديس أُغسطينوس كان يرى أن الله خلق قوانين الطبيعة و من ثم تركها تعمل , و لكن ليس بالمعنى الربوبي للكلمة , بل كان يعتقد ( مثل القديس باسيليوس و القديس غريغوريوس ) أن الله خلق قوانين الطبيعة و تركها تعمل , و كان في الوقت نفسه هو الصانِع من خلالها , أي انه مازال يعمل من خلالها , و ليس أنه تركها و نساها , هذا كان التفسير للنص الذي قاله يسوع    " أبي يعمي حتّى الآن و أنا أعمل " , فإنهم قد فهموا النص على أساس ان الله مازال مُستمراً في الخليقة و تجديدها ..


5 – الخاتمة


مما سبق نستطيع ان نستنتج أن فكرة التطور الاحيائي للعائلة الواحدة للحياة , أو حتّى التطور العام حيث أن كل شئ كان في الأصل مُنبثق من بذرة تحوي في ذاتها الأشياء التي ستأتي لاحقاً ليست فكرة وليدة الزمن الحديث , بل فكرة قديمة ترجع إلى زمن الفلاسفة المسيحيين , بل حتّى ترجع إلى زمن فلاسفة اليونان


ربما لم يصل هؤلاء الفلاسفة المسيحيين للرؤية الصحيحة عن التطور الاحيائي للأنواع الحية أو حتّى للرؤية الصحيحة لما نُسمِه بالتطور الكوني و نُطلق على نظريته العلمية اسم " الانفجار العظيم " , أو الاسم التي تم تسميتها به في الأصل و هو " الذرة البدائية " , هُم بالفعل لم يصلوا لا للشكل الصحيح , ولا للتفسير الصحيح , بل فقط وصلوا لأفكار مُشابهة بقدر ما اتاح لهم العلم ( أو بالأحرى الفلسفة ) في هذا الوقت


هذا الموضوع لم أكتبه لكي أُقنع المسيحيين بنظرية التطور الاحيائي او نظرية الانفجار العظيم , فإن من يقتنع بهذه النظريات من المُفترض أن يقتنع بها فقط لأدلتها العلمية , و على كل حال , فإن رؤيتهم اصلاً ليست هي رؤية العلم , إنها فقط فلسفة مُتشابهة , و لكن النظريات العلمية مُختلفة عن ما اعتقده هؤلاء الفلاسفة


أنا فقط كتبت الموضوع لإظهار آراؤهم التي لا يعرفها الكثيريين و حتّى الكثيريين من المسيحيين أنفسهم


Post a Comment

أحدث أقدم