المسيح ليس هو الله لأنّه لا يعرف الوقت والسّاعة !

المسيح ليس هو الله لأنّه لا يعرف الوقت والسّاعة!

المسيح ليس هو الله لأنّه لا يعرف الوقت والسّاعة!


"وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السّاعة فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الّذينَ فِي السّماء، وَلاَ الابن، إِلاَّ الآبُ" (مرقس 13: 32).

يقول المشكّكون عن هذه الآية: إذا كان الابن يسوع لا يعلم بساعة مجيئه الثاني فكيف يكون هو الله العالم بكلِّ شيء؟

هذا الإعلان الّذي قاله الرّبّ يسوع المسيح لتّلاميِذه لا يتعارض مع الكمّ الهائل من إعلانات الكتاب المقدّس الّتي تثبت بأنَّ يسوع يعرف كلَّ شيء، وهو نفسه يهوه الله القادر والعارف بكلِّ شيء! ففي هذا الإصحاح من (مرقس: 13) نجد السيّد المسيح يُخبر تلاميذه عن علامات انتهاء العالم وما سيحدث قبل مجيء ذلك اليوم الرهيب! فهو يعلم كلَّ شيء. 

فلماذا أخذ المشككون الآية رقم (32) فقط ونسوا الإعلانات الأخرى! أَليس لأنّهم يقتطعون الكلام والمعنى من سياق الآيات ويرمون جانباً الإعلانات الكثيرة عن معرفة السيّد المسيح باليوم والسّاعة، لكي يثبتوا تعاليمهم الضالة؟! هذا طبعاً يَنمُّ عن جهلٍ بالتّعاليم الموجودة في الكتاب المقدّس وشرح الآباء القدّيسين.

ولكن هل الرّبّ يسوع المسيح كان حقّاً يقصد أن يقول لتّلاميذه بأنّه لا يعلم ذلك اليوم وتلك السّاعة؟ وهل هو حقّاً لا يعلم بذلك اليوم وبتلك السّاعة؟ إذاً ما هو تفسير ذلك؟


يسوع يَعلَم بذلك اليوم وتلك السّاعة:

يقول القدّيس مار يوحنّا في إنجيله:

"تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السّماء وَقَالَ: أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السّاعة" (يوحنّا 1: 17).

لقد عرف يسوع الوقت والسّاعة الّتي سيُسلّمه اليهود فيها ليصلب، ويموت، وفي اليوم الثالث سيقوم مُنتصِراً على الموت! لذلك قال "قَدْ أَتَتِ السّاعة"!

قال الرّبّ يسوع المسيح:

"كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابن إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابن وَمَنْ أَرَادَ الابن أَنْ يُعْلِنَ لَهُ" (متى 11: 27).

من يتمعَّن بهذه الآية يرى العجب!

نبدأ بقول الرّبّ يسوع المسيح في الجزء الثّاني من الآية:

"وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابن! وَمَنْ أَرَادَ الابن أَنْ يُعْلِنَ لَهُ".

يُعلن الرّبّ يسوع المسيح في هذه الآية بأنّه وحده فقط "يَعْرِفُ الآبَ"! ويعلن أيضاً بأنه إذا أراد شخص ما أن يعرف الآب فلا يستطيع ذلك إلّا إذا أراد الابن أن يُعرِّفُه به!

لكنَّ الأمر العجيب في هذه الآية ما أعلنه الرّبّ يسوع بقوله: "وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابن إِلاَّ الآبُ"! حسب قول السيّد المسيح فأنّه لا أحد يعرف الابن يسوع إلا الآب وحده!

إنّه إعلان عجيب فعلاً، يمكننا أن نعرف الآب من خلال يسوع المسيح ولكن لا يمكن لأحد أن يعرف يسوع إلّا الآب السّماوي وحده!

والمقصود بكلمة ”يَعْرِفُ" هو أن يعرف معرفة حقيقيّة لا سطحيّة، إذ أنّنا نعرف عن يسوع المسيح بقدر ما أعلنه لنا فقط عن شخصه المبارك، ولسنا نعرفه حقّ المعرفة، إذ أنّنا نعرف "بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ" (1كورنثوس 13: 12). أمّا يسوع فهو ذو المعرفة الكاملة "الْكَامِلِ الْمَعَارِفِ" (أيوب 37: 16). وهو"الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ" (كولوسي 2: 3). بل هو "قُوَّةِ الله وَحِكْمَةِ الله" (1كو 1: 24).

فهل يُعقل بأنَّ "الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ" لا يعلم وقت مجيئه؟!

وهل يُعقل بأنَّ "حِكْمَةِ الله" والّذي به وله ومنه الأشياء جميعها "فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ" (كولوسي 1: 16)، لا يعرف ساعة مجيئه! عجباً من هؤلاء المشكّكين! كيف يفكرون؟

كذلك يؤمن ويَقرّ جماعة شهود يهوه بأنَّ ملء الرّوح القدس الّذي هو "رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُـــــورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ" (إشعياء 11: 2) حالٌ في يسوع. وكتب القدّيس مار بولس الرّسول:

"لأَنَّ الرّوح يَفْحَصُ كُلَّ شَـيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ الله" (1كورنثوس 2: 10). ثم يكمل القدّيس مار بولس في العدد (11) مباشرةً قائلاً:

"أُمُورُ الله لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ الله"!

وبما أنَّ مجيء السيّد المسيح في اليوم الأخير هو من الأمور الخاصة بالله، وأمور الله لا يعرفها أحد غير الله، والرّوح الّذي يفحص كلَّ شيء حتّى أعماق الله الحال في يسوع، إذاً فلا يوجد أيّ شكّ بأنَّ السيّد المسيح يعرف ذلك اليوم وتلك السّاعة!

كذلك هل من الممكن بأنَّ الّذي قال عن نفسه "أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، البِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ" (رؤيا 1: 😎. والّذي أعطى يوحنّا الحبيب تفاصيل ما سيحدث في الأيّام الأخيرة في سفر الرّؤيا لا يعرف متى سيكون وقت مجيئه! وهل الّذي له "كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السّماء وَعَلَى الأَرْضِ" (متى 28: 18). لا يعلم تلك السّاعة وذلك اليوم!

لماذا قال الرّبّ يسوع المسيح:


"وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السّاعة فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الّذينَ فِي السّماء، وَلاَ الابن، إِلاَّ الآبُ" (مرقس 13: 32)؟

لنقرأ قوله لتلاميذه:

"لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الّتي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ" (أعمال الرسل 1: 7).

الرّبّ يسوع المسيح لم يُعطِ تلاميذه أن يعرفوا ذلك اليوم، وهو بقوله لهم: "لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ"، لم يشمل نفسه بعدم معرفة ذلك اليوم، بل ذلك تأكيد من الرّبّ يسوع المسيح على معرفته بذلك اليوم وتلك السّاعة! فهو من قال "كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي" (متى 11: 27). 

ولنلاحظ قول الرّبّ يسوع عبارة ""كُلُّ شَيْءٍ"! فهو بهذه الآية قد شمل كُلُّ شَيْءٍ ممكن أن يتصوَّره العقل البشري أو لا يستطيع أن يتصوُّره، بما في ذلك معرفة اليوم الأخير! فهو الكامل المعرفة، وهو الّذي قال عن نفسه: "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يوحنّا 10: 30). وفي التّرجمة اليونانيّة القديمة الأدقّ "أنا والآب نكون واحد".

نحن نؤمن بأنَّ يسوع المسيح هو واحد مع الآب في الجوهر، لذلك هو يَعلَم كلّ فكر الله، بل إنَّ يسوع هو رسمُ جوهر الله! (عبرانيين 1: 3) فهو الكلمة (اللوغوس) الّذي "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ"! (يوحنّا 1: 3).

بما أنّه بيسوع كَانَ كُلُّ شَيْءٍ، وبدون يسوع لم يكن ممكناً بأن يكون شَيْءٌ مِمَّا كَانَ، إذاً يسوع هو الله القادر على كلِّ شيء، وبما أنّه هو الله إذاً فهو عالمٌ بذلك اليوم وتلك السّاعة بدون أدنى شك!

ما الحكّمة من إِخبار التّلاميذ بالوقت والسّاعة؟


لنفرض أنَّ السيّد المسيح قد أخبر تلاميذه بالوقت والسّاعة الخاصة بالدّينونة. هل كنَّا نحن أو أحد من البشر سيصدّقه؟ خاصة أنَّ جميع تلاميذه قد رحلوا من هذه الحياة ولم تأتِ السّاعة حتّى يومنا هذا!

فإن حدَّدَ السيّد المسيح الوقت والسّاعة بعد مليون سنة، هل سننتظر هذا الوقت لنتأكّد من قوله؟

لا شكَّ أنّه بذلك سيُعطي اليهود ذريعة لنقد قوله هذا، ويعطي للمتراخين روحيّاً والبعيدين عن الله ذريعة لارتكاب الخطايا والشرور، والبعد عن السّهر والجهاد الرّوحي.

لذلك حرَّض الرّبّ يسوع المسيح تلاميذه ومن يؤمن به على السّهر والصّلاة لأنّهم لا يعلمون السّاعة الّتي تتمّ بها تلك الأمور. وقد شبّه المسيحُ نفسَهُ بإنسان مسافر ترك بيتهُ وأعطى عبيدهُ السُّلطان ولكلّ إنسان عملهُ وأوصى البوّاب أن يَسهَر (مرقس 13: 34- 37). وهذا تنبيه وتحذير لنا، فقد دُعينا إلى انتظار الرّبّ والسَّهَر لأنّنا لا نعلم متى يعود.

فلنطلب منهُ تعالى أن يُسبغ نعمته في قلوبنا كي ننتظر مجيئهُ بفرح، ونلتقيه بأشواق حارّة عند ذكر قدومهِ، ولا نملّ من الانتظار. ونقول مع القدّيس يوحنّا عبارته الشّهيرة الّتي ختم بها سفر الرؤيا والكتاب المقدّس:

"آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرّبّ يَسُوعُ" (رؤيا 22: 20).

ماذا قَصَدَ الرّبّ يسوع المسيح من كلماته؟


إنَّ قول الرّبّ يسوع المسيح "وَلاَ الابن" لا ينفي معرفته بذلك اليوم، وتلك السّاعة.

مثلاً: إذا سألت أحد المدّرسين عن الأسئلة الّتي ستأتي في الامتحان فإنّه سيقول لك: لا أعرف، مع أنّه يعرف الأسئلة لكنّه يرفض البوح بها إليك، وعدم إمكانيته أن يُعلن ما قد وضعه من الأسئلة لا يعني أنّه لا يعرفها، فهو من وضعها أساساً!

كذلك الأمر مع السيّد المسيح فإنّه يعلم بذلك اليوم وبكلِّ تفاصيله لكنّه لا يعرفه معرفة البوح به تماماً كما فعل المدّرس، فهذه المعرفة ليست من شأنِّ البشر! فالسيّد المسيح هو مُعيِّن ذلك اليوم وتلك السّاعة، ويؤكّد على ذلك قول السيّد المسيح ذاته: "لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابن الإِنْسَانِ" (متى 24: 44)، ولم يَقُل يُرسَل ابن الإنسان، بل: "يَأْتِي ابن الإِنْسَانِ"، فهو سيأتي من ذاته "مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ" (2 تسالونيكي 1: 7). بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات.

يقول القدّيس هيلاري أسقف بواتيه :

[ إنَّ السيّد المسيح فيه كنوز المعرفة، فقوله إنّه لا يعرف السّاعة إنّما يعني إخفاءه كنوز الحكمة الّتي فيه ].

إذاً فالمقصود بكلام الرّبّ يسوع المسيح هو التّأكيد على أنَّ الله وحده هو الّذي يُحدّد تاريخ انتهاء العالم، فالبشر لا علاقة لهم بمعرفة هذا اليوم لأنَّه ليس من شأنهم، وليس لأيّ طبيعة إنسانيّة بشريّة أن تعرف هذا اليوم وتلك السّاعة!

فالرّبّ يسوع المسيح بطبيعته الإلهيّة الكاملة والّتي لا يمكن لأيّ شخص أن يسبر أغوارها، وبفكره الّذي هو جوهر فكر الآب يعلم يقيناً بذلك اليوم وتلك السّاعة، فيسوع المسيح هو الإله الحكيم الوحيد المُبارك الّذي له كلّ المجد والقدرة والسّلطان إلى الأبد. وهو الّذي حدّد ذلك اليوم وتلك السّاعة!

ويجب أن نعرف أنَّ ما قاله السيّد المسيح لا يتعارض مع عمل الثالوث المقدس، فالآب يريد، وما يريده الآب ينفّذه الابن والرّوح القدس. فالآب مثلاً يريد أنَّ الجميع يخلصون، والابن نَفَّذَ الفداء، والرّوح القدس يقود الكنيسة ويقود كلّ نفس للخلاص. هذا إتفاق داخل المشورة الثالوثيَّة.

ومعنى أنَّ الآب يعرف والابن لا يعرف، أنَّ الآب لا يريد الإعلان، فالابن ينفّذ ولن يعلن أو يبوح!

وهذا قاله السيّد المسيح بطريقة أخرى، إنَّ ما يسمعه من عند الآب يقوله:

"إِنَّ لِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةً أَتَكَلَّمُ وَأَحْكُمُ بِهَا مِنْ نَحْوِكُمْ، لَكِنَّ الّذي أَرْسَلَنِي هُوَ حَقٌّ. وَأَنَا مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، فَهَذَا أَقُولُهُ لِلْعَالَمِ" (يوحنّا 8: 26).

وبالمفهوم نفسه يقال هذا عن الرّوح القدس:

"وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ" (يوحنّا 16: 13).

الخلاصة:


الرّبّ يسوع المسيح يعرف اليوم والسّاعة لأنّه هو والآب واحد (يوحنّا 10: 30). فقد عرف وقت وساعة تسليمه للصّلب (يوحنّا 17: 1). وعرف أنّه سيقوم من القبر بعد ثلاثة أيام (متى 16: 21 و 17: 23 ومرقس 10: 34 ولوقا 9: 22 الخ...). 

لكنه قصد هنا أنَّ معرفة اليوم والسَّاعة الخاصة بيوم الدينونة وانتهاء العالم هي أمور خاصة بالله وحده وليس من شأن البشر أن يعرفوها. لأن "أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ" (1 كورنثوس 2: 11)، لذلك قال لتلاميذه: "لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الّتي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ" (أعمال الرسل 1: 7).


1 تعليقات

إرسال تعليق

أحدث أقدم