دراسة موجزة حول _ صلاة باكر _ نشأتها وأقسامها ومراحل تطورها


دراسة موجزة حول
صلاة باكر
نشأتها وأقسامها ومراحل تطورها

دراسة موجزة حول  صلاة باكر  نشأتها وأقسامها ومراحل تطورها

نشأة صلاة باكر
اتجه رأي كثير من الباحثين في الماضي إلى أن ما أشار إليه القديس يوحنا كاسيان في مؤلَّفه "المعاهد[1]" عن صلاة صباحية جديدة كان قد رتبها للرهبان في دير أسسه في بيت لحم، أنها هي نواة صلاة باكر التي عرفتها الكنيسة فيما بعد. ولكن الدراسات المدققة التي ظهرت مؤخراً أوضحت أن هذه الصلاة الصباحية الجديدة التي ظهرت في أديرة فلسطين ليست هي نواة صلاة باكر التي نعرفها اليوم.
والقصة تبدأ عندما كان رهبان دير بيت لحم يعودون إلى فراشهم بعد صلاة نصف الليل Nocturns والتي كانت تمتد من وقت صياح الديك حتى يلوح الفجر، وهو الأمر الذي لم يشاهده كاسيان في أديرة مصر، إذ أن الرجوع إلى الفراش للنوم بعد صلاة نصف الليل لم يكن معروفاً بين الرهبان الأقباط الذين كانت تمتد صلاتهم الخاصة حتى ظهور النور، وذلك بعد فراغهم من صلواتهم الجماعية Synaxis في الكنيسة[2].
ولتفادي العودة إلى الفراش للنوم طوَّر يوحنا كاسيان في ممارسة رهبان فلسطين لصلوات السواعي بأن أضاف خدمة صباحية جديدة كان غرضها الوحيد أن يجعل الرهبان يقظين حتى شروق الشمس لتحول هذه الخدمة دون رجوعهم إلى فراشهم بعد صلاة نصف الليل، ليناموا حتى الساعة الثالثة من النهار (أي التاسعة صباحاً) كما اعتادوا على ذلك[3].
هذه الخدمة الجديدة توافقت مع شروق الشمس وحوت في البداية ثلاثة مزامير هي مزمور 50 »ارحمني يا الله كعظيم رحمتك... «، ومزمور 62 »يا الله إلهي إليك أبكر... «، مزمور 89 »يارب ملجأ كنت لنا من دور فدور... «. وكذا ثلاث صلوات[4]، فصار لها نفس البنية التي تتكون منها سواعي الصلوات الصغرى (الثالثة والسادسة والتاسعة).
لقد رأى البعض في هذه الخدمة الصباحية الجديدة نواة أو أصلاً لظهور صلاة باكر Prime، أما العالم الليتورجي فروجر Froger فيقرر بوضوح ـ وهو على صواب في ذلك ـ إن خدمة الصباح الجديدة novella sollemnitas التي ذكرها كاسيان لم تكن هي صلاة باكر، لأن كاسيان نفسه لم يدعُها كذلك، ولكنها خدمة معادلة أو مكافئة لصلاة الصباح morning praise في أديرة الغال (فرنسا)[5]. وجدير بالذكر أن كاسيان هو نفسه الذي أسس أيضاً أديرة في فرنسا بعد دير بيت لحم.
ثم إن الأصول الأولى لصلاة باكر لا تُرى في هذه الخدمة الصباحية الجديدة التي أنشأها كاسيان في أديرة بيت لحم. ومن جهة أخرى ليس لدينا أي إثباتات وثائقية عن صلاة باكر في أي مكان في الشرق لعدة قرون تالية للزمن الذي أنشأ فيه كاسيان هذه الخدمة الصباحية الجديدة. فصلاة باكر في الطقس البيزنطي الحالي التي تمثِّل آخر ما أتى إلينا من ممارسة أديرة فلسطين تحوي المزامير (5، 89، 100) وليس المزامير     (50، 62، 89) والتي كونت خدمة الصباح الجديدة التي أنشأها كاسيان. وقد أثبت العالم ليروى Leroy - كما يقول الأب روبرت تافت Robert Taft - وجود صلاة باكر في الأديرة البيزنطية قبل نهاية القرن الثامن الميلادي[6]، وليس من دليل موثَّق على وجودها قبل هذا التاريخ في الشرق[7].
ويضيف الأب روبرت تافت Robert Taft قائلاً[8]: [ بخصوص صلاة باكر؛ هي تقليد متأخر، وأما الخدمة الصباحية الجديدة التي أنشأها كاسيان فهي ليست صلاة باكر، ولا هي خدمة سَحَر، لأن صلاة السَحَر كانت معروفة قبل ذلك، ولكنها نوع من خدمة سَحَر ثانية second matins تكوَّنت من عناصر كاتدرائيَّة[9] كوضع خاص في حياة الشركة الديريَّة في بيت لحم أنشأها كاسيان في نهاية القرن الرابع الميلادي.
ولقد أصاب الأب روبرت تافت Robert Taft كبد الحقيقة عندما قال عن هذه الخدمة الجديدة إنها تكوَّنت من عناصر كاتدرائية أضيفت على الخدمة الديرية، ولكنه لم يستطع أن يقرر أن هذه العناصر الكاتدرائية وُجدت بوضوح في مقالة في البتولية ـDe virginitate للبابا أثناسيوس الرسولي والتي هي أول وثيقة تتعرَّض للحديث عن مكوِّنات هذه الخدمة الصباحية لا سيَّما المزمور 62، وتسبحة الملائكة التي انتشرت في كل الكنائس التقليدية شرقاً وغرباً.
إذاً؛ أصل صلاة باكر لم ينشأ في أديرة فلسطين على يد يوحنا كاسيان، ولكنه نشأ في كنيسة الإسكندرية. واتضحت الملامح الأولى لهذه الصلاة في زمن البابا أثناسيوس الرسولي (328- 373م). ثم أن صلاة باكر لم تكن في أصلها خدمة صلاة ديرية، بقدر ما هي خدمة صلاة كاتدرائية.
فبحسب مقالة في البتولية للبابا أثناسيوس الرسولي نعرف البدايات الأولى لنشأة خدمة باكر، فوقت إقامة الصلاة هو ابتداءً من الفجر وحتى شروق الشمس، وطابع الصلاة هو التسبيح، أما تركيبها فهو في البداية مزمور 62، وفي النهاية تسبحة زكريا Benedicite، ثم تسبحة الملائكة Gloria in exclesis. ثم أن خدمة صلاة باكر تنفصل تماماً عن خدمة صلاة نصف الليل بالمزامير 148- 150، وهو الهوس الرابع الذي يفصل بينهما.
إن وثيقة في البتولية تُعد هي المصدر الوحيد الذي يمكننا من خلاله أن نتعرف على البدايات الأولى لترتيب كتاب الصلوات اليومية، وعلى التركيب الأساسي لصلاة نصف الليل، خاصة وأنه من بين التقليدات الكثيرة والمتباينة في القرن الرابع، تقدم لنا هذه الوثيقة بالاشتراك مع القديس باسيليوس ذلك التقليد الخالد الذي دام استعماله في الخدمات الديرية، وهو أن خدمة صلاة نصف الليل هي خدمة منفصلة تماماً عن خدمة صلاة باكر[10].
هذه إلماحة عن نشأة صلاة باكر، والآن نعرض لأقسام هذه الصلاة كما نصليها اليوم.

أقسام صلاة باكر
بعد المقدمة العادية لكل ساعة، وقبل مزامير صلاة باكر نصلي صلاة تحوي ثلاثة أقسام:
القسم الأول
" هلم نسجد، هلم نسأل المسيح إلهنا. هلم نسجد، هلم نطلب من المسيح ملكنا. هلم نسجد، هلم نتضرع إلى المسيح مخلصنا...".
ونفس هذه الصلاة موجودة أيضاً في كتاب صلوات السواعي في الكنيسة اليونانية، ونصها([11]):
Deàte proskun»swmen, kaˆ prospšswmen tù basile‹ ¹mîn Qeù. Deàte ... aÙtù Cristù tù basile‹ ¹mîn Qeù. Deàte ... aÙtù Cristù tù basile‹ kaˆ Qeù ¹mîn.
" تعالوا نسجد[12] ونجثو[13] لله ملكنا. تعالوا نسجد ونجثو للمسيح نفسه ملكنا وإلهنا. تعالوا نسجد ونجثو للمسيح نفسه ملكنا وإلهنا[14]".
وهذه المقدمة في الطقس البيزنطي تُقال في بداية كل ساعة من سواعي الصلوات السبع، أما في الطقس القبطي فهي تُقال في صلاة باكر فقط حيث يكون المصلي لا يزال صائماً والسجود الكامل إلى الأرض (الميطانية) تتفق دائماً مع الصوم.
أما تكملة هذا القسم الأول في الطقس القبطي " يا ربنا يسوع المسيح كلمة الله إلهنا... ونسأل أن تحفظنا في هذا اليوم بغير خطية وأنقذنا " فهي صلاة قبطيَّة خالصة لا تعرفها الكنائس الشرقيَّة الأخرى.

القسم الثاني
هو جزء من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل أفسس (1:4- 5)، وهو دعوة للسلوك باتضاع القلب والوداعة وطول الأناة والاحتمال مع بداية اليوم الجديد. وهو قسم يميِّز الطقس القبطي دون سواه. وهكذا تنفرد صلاة باكر القبطية بفصل من الرسائل قبل المزامير إلى جانب فصل من الإنجيل المقدس بعدها.

القسم الثالث
هو صيغة إيمانية مختصرة[15] تختص بالثالوث القدوس في وحدانية وتمايز أقانيمه، وعلاقته الحميمة بنا. فالله الآب واحد وهو أبونا كلنا، وابنه يسوع المسيح واحد، وهو الذي تجسد ومات وقام وأقامنا معه، والروح القدس المعزي واحد، وهو الذي يطهّرنا ويعلِّمنا أن نسجد للثالوث المقدس. أما الثالوث القدوس فهو لاهوت واحد، وطبيعة واحدة، نسبحه ونباركه إلى الأبد آمين[16].

عنوان صلاة باكر
في مخطوط الأجبية رقم (ط 167) بمكتبة دير القديس أنبا مقار، والذي يعود إلى سنة 1843م نقرأ: " تسبحة باكر النهار المبارك، أدفعها إلى المسيح ملكي وإلهي، أتوكل عليه ليغفر لنا خطايانا". وهو نص قريب من مقدمة هذه الصلاة في الأجبية في طبعاتها الحديثة وهو: " صلاة باكر من النهار المبارك، أقدمها للمسيح ملكي وإلهي، وأرجوه أن يغفر لي خطاياي".

مزامير صلاة باكر في الأجبية القبطية
في مخطوط للأجبية القبطية يعود إلى سنة 1034م[17]، لم يرد سوى اثني عشر مزموراً لصلاة باكر[18]، وهي لا تختلف عن الاثني عشر مزموراً الأولى في صلاة باكر التي نعرفها حالياً باستثناء المزمور الثامن » أيها الرب ربنا ما أعجب اسمك في الأرض كلها...« الذي جاء بدلاً من المزمور العاشر »على الرب توكلت، كيف تقولون لنفسي اهربوا إلى جبالكم كعصفور...« في المخطوط المذكور.
وفي الحقيقة قد تذبذبت المخطوطات بين هذين المزمورين الثامن والعاشر، فبينما يورد بعضها المزمور الثامن يورد البعض الآخر المزمور العاشر، والعكس صحيح، إلاَّ أن بعضها الآخر يورد المزمورين معاً[19]. ويعلل الأب كويك P. Queck هذا التأرجح بين المخطوطات بسبب وجود هذين المزمورين معاً في الطقس السرياني[20].
أي أن صلاة باكر حتى القرن الحادي عشر قد حافظت على الطقس القديم الذي يخصص اثنى عشر مزموراً لكل ساعة صلاة. ولكن فيما بعد أُضيفت سبعة مزامير أخرى أرقام (24، 26، 62، 66، 69، 112، 142)، إلاَّ أن هذه المزامير الإضافية لم توجد في المخطوطات الأكثر قدماً للأجبية القبطية[21]، في حين ورد ذكرها في كتاب الطوخي الذي ألَّفه وأصدره في روما سنة 1750م تحت عنوان  oujwm `nte nieuxh `mpie\oou nem piejwr\ - كتاب الصلوات النهارية والليلية"[22].
وهذه المزامير السبعة الإضافية سبقتها محاولات أخرى. ففي بعض المخطوطات القبطية وُجد عدد المزامير لصلاة باكر خمسة عشر مزموراً كما في مخطوط بمكتبة الفاتيكان (Vat. Copt. 40) يعود تاريخه إلى سنة 1334م، حيث يحل المزمور العاشر محل المزمور الثامن، ولا يحوي المزامير(24، 62، 66، 69، 112) المعروفة في الأجبية القبطية الآن[23]. وفي مخطوط آخر بالمتحف البريطاني[24]، وُجد عدد المزامير ستة عشر مزموراً حيث يحل المزمور العاشر محل الثامن، ويحوي المزامير (62، 66، 69، 112)، ولكن لا يحوي المزامير (24، 26، 142). ومخطوط آخر لكتاب أجبية أثيوبي طُبع بواسطة Turaev وُجد فيه ثمانية عشر مزموراً في صلاة باكر[25]، حيث يحل المزمور العاشر محل الثامن، ولا وجود للمزمور الرابع والعشرين.
وهناك مخطوطات أخرى أوردت تبايناً ليس في أرقام المزامير فحسب ولكن في إضافات جديدة لمزامير لم يسبق ذكرها في صلاة باكر، مثل المزمور (113)[26] »... البحر رأى فهرب. الأردن رجع إلى خلف. الجبال قفزت مثل الكباش...«، والمزمور   (91) » جيد هو الاعتراف للرب والترتيل لاسمك أيها العلي، أن يُخبر برحمتك في الغدوات وحقك في كل ليلة...« ، والمزمور (84) » رضيت يارب عن أرضك، رددت سبي يعقوب، غفرت آثام شعبك...«.
وليس لدينا من الوثائق ما يمكِّننا من تحديد الزمن الذي أُضيفت فيه هذه المزامير السبعة على صلاة باكر في الأجبية القبطية. ولكن ما يُلفت النظر جداً هو غياب المزمور (62) من صلاة باكر في المخطوطات القديمة للأجبية القبطية، وهو مزمور الصباح الشهير (˜wqinÒj or ÑrqrinÕj yalmÒj) في كل الطقوس شرقاً وغرباً. فهو يوجد في الطقوس البيزنطية والأنطاكية والمارونية والأرمنية، وكان معروفاً في الاستخدام الديري للطقس الغالي القديم، وظل معروفاً في طقس روما أيضاً حتى أُلغي أيام البابا بيوس العاشر[27]، إذن فهو حجر الزاوية في صلوات الصباح في كل هذه الطقوس. وسبق أن ذكرنا أن أول ذكر واضح له كان في أيام البابا أثناسيوس الرسولي (256- 373م) في مقالته " في البتولية[28]- De virginitate . وذكره أيضاً القديس يوحنا ذهبي الفم   (347-407م)، وورد ذكره أيضاً في كتاب المراسيم الرسولية Apostolic Constitutions.
فهل كان غياب المزمور (62) من صلاة باكر في الطقس القبطي القديم - بحسب مخطوط القرن الحادي عشر - بسبب أنه كان يُرتل في صلاة السحر جنباً إلى جنب مع مزامير السحر (148- 150)؟ هذا ما يبدو واضحاً لنا، لأنه بحسب ما ذكره البابا أثناسيوس الرسولي في مقاله في البتولية:
[في السحر (شrqron) قلن هذا المزمور: »يا الله إلهي إليك أبكر، عطشت نفسي إليك«، أما عند الشروق (di£fauma) فقلن: »باركوا الرب يا جميع أعمال الرب، سبحوه« ثم المجد لله في الأعالي... وبقية القول].
فالمزمور الثاني والستون يأتي في سَحَر النهار قبل شروق الشمس، وهذا هو مكانه الذي ظل مرعيّاً في بعض الطقوس الشرقية مثل الطقس البيزنطي، والطقس الأرمني، حيث يُرتل هذا المزمور في هذا الطقس الأخير سَحَراً قبل صلاة تُسمى عندهم صلاة شروق الشمس - Arwagali Zam ، والتي تقابل صلاة باكر في الطقس القبطي، وهي تسمية تأتي مطابقة تماماً لما ذكره البابا أثناسيوس الرسولي في عبارة عند الشروق.

مزامير صلاة باكر في الطقوس الأخرى
يذكر القس أبو البركات ابن كبر (+ 1324م) أن عدد المزامير التي يصليها الروم في صلاة السحر هي تسعة عشر مزموراً[29]. أما الاستخدام الحالي في الكنيسة اليونانية فهو عشرة مزامير[30]. في حين أن صلاة باكر تحوي ثلاثة مزامير فقط هي (5، 89، 100) يُضاف إليها ثلاثة مزامير أخرى في صومي الميلاد والآباء الرسل وهي المزامير  (45، 91، 92). أما الطقس السرياني القديم فيعرف خمسة عشر مزموراً[31]. وليست كل المخطوطات السريانية تحوي نفس هذا الرقم دائماً لأن المخطوط السرياني Bl Add. 14. 732 لا ترد به الثلاثة عشر مزموراً الأولى منها. وجدير بالذكر أن الطقس السرياني الأنطاكي الحالي يحوي فقط المزمور الثاني والستين (63 بالترقيم السرياني) »يا الله إلهي إليك أبكر...« [32].
مما سبق يتضح لنا أن المزامير المشتركة بين الطقسين القبطي والسرياني في صلاة باكر هي اثني عشر مزموراً[33]، ويبقى حتى اليوم مزموران مشتركان بين الطقوس القبطية والسريانية والبيزنطية، وهما المزمور الخامس »أنصت يارب لكلماتي، واسمع صراخي، اصغ إلى صوت طلبتي يا ملكي وإلهي...«، والمزمور 142 »يارب اسمع صلاتي، أنصت إلى طلبتي بحقك، استجب لي بعدلك...«.

فصل الإنجيل المقدس
وهو من إنجيل القديس يوحنا (1:1- 14). ولم تورد بعض المخطوطات القبطية فصولاً للإنجيل المقدس بعد المزامير، مثل مخطوط القرن الحادي عشر، وبعض مخطوطات العصور الوسطى (القرنين الثالث عشر والرابع عشر). أما الفصل الوارد هنا فيذكره الطوخي في مؤلَّفه السابق ذكره مع إنجيل تبادلي آخر من بشارة القديس مرقس البشير (مرقس 1:1- 3)[34]. وجدير بالذكر أنه ليس في الطقسين الأنطاكي والبيزنطي فصولٌ من الإنجيل المقدس تُصلى في صلوات السواعي.

القِطَـــع
من المبدع أن ذكصولوجية باكر آدام، والتي تبدأ بعبارة أيها النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان آت إلى العالم... وحتى نهاية الذكصولوجية كانت تُرتل دائماً أبداً بعد مزامير صلاة باكر وفصل الإنجيل المقدس الذي أصبح يعقب المزامير.
واستمر هذا الطقس محفوظاً في الكنيسة إلى عهد قريب. فحين تخلو مخطوطات الأجبية من قطع تقال في صلاة باكر، فهذا يعني أن ذكصولوجية باكر آدام كانت حتى ذلك الوقت تُرتَّل بكاملها عقب المزامير والإنجيل. وهو ما نجده في مخطوط الأجبية رقم (355) بالمتحف القبطي (سنة 1034م). وهو أيضاً نفس ما نلاحظه في مخطوطات الأجبية في القرون الوسطى[35] وحتى منتصف القرن الثامن عشر.
لقد ظلت الأجبية القبطية إلى ما بعد منتصف القرن التاسع عشر ترتِّل ذكصولوجية باكر آدام بعد فصل الإنجيل مباشرة. ففي مخطوط الأجبية رقم (ط 167) الذي يعود إلى سنة 1843م، نقرأ:
"هذه تقال بعد مزامير صلاة باكر ترتيب برية القديس أنطونيوس.
نسجد للآب والابن والروح القدس، السلام للكنيسة بيت الملائكة. السلام للعذرى التي ولدت مخلصنا. السلام لغبريال الذي بشرها. السلام لميخائيل رئيس الملائكة. السلام للأربعة وعشرين قسيس. السلام للشاروبيم... أيها النور الحقيقي...الخ.
هذا يوضّح لنا صدق ما ذكره الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين في القرن العاشر في كتابه الدر الثمين في إيضاح الدين أن صلاة باكر تُصلى كل يوم في الكنيسة، بمعنى أن ترتيل ذكصولوجية باكر آدام كل يوم في الكنيسة كان شيئاً اعتيادياً.
لأنه بحسب التقليد القبطي كان يتم رفع بخور باكر في الكنيسة كل يوم سواء أعقب رفع البخور قداس أم لا، وهو ما يخبرنا به العالم الطقسي ابن كبر (+ 1324م) في القرن الرابع عشر، وهو بالقطع يتحدث عن الطقس الكاتدرائي الذي كانت تمارسه كنائس المدن. أما في الأديرة حيث لا يُرفع بخور باكر إلاَّ مقروناً بالقداس، فكان لابد أن تُصلى هذه الذكصولوجية كل يوم عقب مزامير باكر وفصل الإنجيل المقدس.
وإن ما نلاحظه اليوم من ارتباط ترتيل ذكصولوجية باكر آدام بطقس رفع البخور فقط، كان بسبب أن قطع صلاة باكر أصبحت تحتل مكان ذكصولوجية باكر آدام في ترتيل مزامير صلاة باكر. أي أنه بعد أن حلَّت قطع صلاة باكر محل هذه الذكصولوجية الآدام اقتصر ترتيل هذه الذكصولوجية في الكنيسة على صلوات رفع البخور في ذلك اليوم.
فكيف اختُصرت ذكصولوجية باكر آدام إلى قطع صلاة باكر المعروفة لدينا اليوم؟
كانت البداية في سنة 1750م حين ورد في مؤلَّف روفائيل الطوخي " كتاب الصلوات النهارية والليلية " الذي طبعه في روما[36]، بعد فصل الإنجيل عنوان هو: " إبصالية باكر آدام " وهي في الحقيقة جزء مقتطع من ذكصولوجية باكر آدام: " أيها النور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان آت إلى العالم... هؤلاء الذين ألَّفهم الروح القدس مثل قيثارة يباركون الله كل حين بمزامير وتسابيح وتماجيد روحية نهاراً وليلاً بقلب لا يفتر".
وقد وُجدت هذه الإبصالية الآدام في مخطوط الأجبية رقم (ط 167) بمكتبة دير القديس أنبا مقار والذي يعود تاريخه - كما سبق أن ذكرنا - إلى سنة 1843م[37].
وبالرغم من أن بعض مخطوطات الأجبية القليلة قد دوَّنت نص ذكصولوجية باكر آدام، إلاَّ أن أكثرية مخطوطات الأجبية التي لم تدوِّن نص الذكصولوجية ظلت تعتبر أن ترتيل هذه الذكصولوجية هو طقس مستقر معروف، ومن ثمَّ فليس هناك من داع لتدوينه، أي نقل النص من كتاب الأبصلمودية المقدسة إلى الأجبية. وإن كتاب الأجبية الذي طبعته جمعية التوفيق القبطية المركزية في (29 برمهات سنة 1616ش - 17 إبريل سنة 1900م) على حسب النسخة الأصليَّة المهداة إليها - وهي نسخة خطيَّة - من البابا كيرلس الخامس، هي مثال جيد لذلك، حيث تأتي تسبحة الملائكة عقب فصل الإنجيل مباشرة.
وفي مقدمة هذه الأجبية المذكورة، منشور بطريركي (نمرة 303) من البابا كيرلس الخامس لحضرات الأبناء المباركين عموم الشعب المسيحي الأرثوذكسي بالقطر المصري يذكر فيه: ... فلزم تحرير هذا الإعلان لحضراتكم للتعويل عليها (أي على هذه الأجبية) دون سواها...الخ.
وقد قام الإيغومانس عبد المسيح صليب المسعودي البراموسي بمقابلة هذه الأجبية على أصلها قبل الطبع لأجل التصحيح بحسب تعليمات البابا كيرلس الخامس، وأورد في نهاية الأجبية جدولاً بالتصحيح الذي أجراه لها طبقاً للنسخة الأصلية. ودَوَّن في نهاية هذه الأجبية وصية تقول: عن أمر سيادة الأب الأقدس أنبا كيرلس بابا الإسكندرية وجميع الكرازة المرقسية، لو طبعت جميعة التوفيق المركزية هذه الأجبية طبعة ثانية أو أكثر ... فغير مأذون لمباشر طبعها أن يطبعها إلاَّ بحروفها أي بألفاظها هي وخاتمتها كما هي، وعلى الله تعالى حسن الختام.
وكانت هناك طبعات مختلفة للأجبية القبطية في عهد البابا كيرلس الخامس (1874- 1927م)، تحققنا من وجود ثلاث طبعات منها على الأقل. فقد طُبعت في عهده أيضاً أجبية على نفقة القمص برنابا البراموسي في سنة 1639ش - 1923م، ظلت تتبع نفس هذا النهج التقليدي القديم، حيث لم يُدوَّن بها نص قطع صلاة باكر. مما يشير إلى استمرار ترتيل ذكصولوجية باكر آدام بديلاً عن هذه القطع حتى ذلك الوقت، أي الربع الأول من القرن العشرين.
وهكذا يتضح أمامنا أن إضافة الإبصالية الآدام - التي وُجدت في مؤلَّف الطوخي - بعد فصل الإنجيل سنة 1750م وُجدت في بعض المخطوطات القبطية فقط، أما غالبية مخطوطات الأجبية فقد ظلت على ترتيبها القديم الذي وجدناه في مخطوط القرن الحادي عشر، حتى مخطوط منتصف القرن التاسع عشر. ثم استمر الوضع على هذا الأمر في نُسخ الأجبية المطبوعة حتى أوائل القرن العشرين.
إذاً؛ كان الاختصار الأول لذكصولوجية باكر آدام قد بدأ في منتصف القرن الثامن عشر، حين اقتطع جزء من الذكصولوجية ليوضع بعد فصل الإنجيل المقدس، ودُعي باسم " إبصالية آدام "، وكان الاختصار التالي حين اختُصرت هذه الإبصالية أيضاً إلى القسمين الأولين من الثلاثة أقسام التي تتكون منها قطع صلاة باكر كما نصليها اليوم، أما القسم الثالث والمختص بالسيدة العذراء، فقد أُضيف لاحقاً اقتداءً بنفس ترتيب قطع باقي السواعي.
وحتى هذه القطعة الثالثة المختصة بالسيدة العذراء، فهي تبدأ بعبارة أنت هي أم النور المكرمة ... وهو نفس النص الذي تصف به الذكصولوجية المذكورة السيدة العذراء، وهو: أنت يا أم النور المكرمة، والدة الإله، حملت الكلمة غير المحوى ....
(يتبع)



1 Institutes, III, 4
2 Institutes, II, 12: 3, III, 5: 2
3 Robert Taft, S. J., The Liturgy of the Hours in East and West, U.S.A., 1986, p. 78
4 Institutes, III, 4: 2- 6
5 cf. Anton Baumstark, Comparative Liturgy, Englished Edition By F. L. Cross, London, 1958, p. 113 
6 cf. Robert Taft, op. cit., p. 206, 207 
[7] أول إشارات واضحة عن صلاة باكر prime في الغرب وُجدت في مصادر لاتينية تعود للقرن السادس الميلادي.
8 Robert Taft, op. cit., p. 209
[9] عناصر كاتدرائية أي عناصر ليتورجية ظهرت أولاً في الكنيسة الكاتدرائية في المدينة حيث مقر الأسقف. ويقابلها عناصر ليتورجية ديريَّة أي نبعت أصلاً من كنائس الأديرة.
10 J. Mateos S. J., Office de minuit et Office du matin chez St. Athanase,  dans OCP 28, p. 180
11 `WrolÒgion to Mega, p. 4
[12] حرفياً: سجود العبادة. Liddle and Scott, Greek - English Lexicon, Oxford, 1986, p. 693.
[13] حرفياً: السجود عند أقدام آخر  Liddle and Scott, op. cit., p. 696
14 O. H. E. Burmester, The Canonical Hours of the Coptic Church, in OCP vol. 2, p. 89. & Chevetogne, La prière des  Heures des ´Eglises de rite byzantin, 1975, p. 142.
15 O. H. E. Burmester, The Horologion of the Egyptian Church, Coptic and Arabic text from Mediaeval Manuscript, Cairo 1973, p. X
[16] يورد المخطوط رقم (ط 167) بمكتبة دير القديس أنبا مقار في هذا المكان بالتحديد صلاتين، واحدة للقديس غريغوريوس الثاؤلوغوس، والأخرى للقديس باسيليوس الكبير. وهي من مدوَّنات الناسخ لتعزيته الشخصية، وهما:
للقديس غريغوريوس الثاؤلوغوس المتكلم بالإلهيات صلاته تكون معنا آمين: اجعل الله بدو أمرك وكماله. ربح العمر العيش يوماً بيوم. اعرف كل شئ واختر أفضله. ما أردأ الفقر وأشر منه الغنى الردئ. إذا كنت محسناً فاعلم أنك بالله متشبّه، واطلب خير الأمور من إلهك فتكون صالحاً. اضبط جسدك واوقفه بالقيود. والجم غضبك لئلا تكون خارجاً عن عقلك...الخ.
قال باسيليوس أسقف قيصارية: كل من كان إلى خيرات الآخرة مسرعاً، فالإقامة في الجسد عليه أثقل من كل شقوة وعذاب. والسبح لله دايماً أبدياً آمين.
[17] وهو المحفوظ تحت رقم 355 بالمتحف القبطي.
[18] هي المزامير 1- 6، 10- 12، 14، 15، 18 وأرقام المزامير طبقاً للسبعينية.
[19] مثل المخطوط Borg. Copt. 11 وهو المخطوط الذي نسخه روفائيل الطوخي بنفسه.
20 Ugo Zanetti, s. j., La Distribution des Psaumes dans L’horologion Copte, dans OCP 56, 1990, p.  346, 338
21 O. H. E. Burmester, The Horologion of the Egyptian Church, p. X
[22] هذا المؤلَّف نقله الطوخي عن مخطوط المتحف القبطي 355 السابق ذكره، وذلك في نص مطبوع بالقبطية والعربية في روما سنة 1750م، تحت عنوان: Tuki, Diurnum Alexandrinum Copto Arabicum, Romae, 1750، وتُرجم الكتاب إلى اللغة الإنجليزية سنة 1911م. (De Lacy O’leary, The Daily office and Theotokia of the Coptic Church, 1911.)
23 Ugo Zanetti, op. cit., p.  338
24 Londres, Brit. Lib. Arund. Or. 15
25 Ugo Zanetti, op. cit., p.  339
[26] وهما المزموران 114، 115 في الترجمة العبرية.
27 Anton Baumstark, Comparative Liturgy, p. 33
28  PG 28, c. 275
[29] وهي بحسب الترقيم اليوناني للمزامير: 3، 5، 37، 45، 50، 62، 66، 69، 77، 79، 91، 94، 99، 102، 112، 142، 148- 150.
[30] هي المزامير: 19، 20، 37، 62، 87، 102، 142، 148-150
[31] وهي بحسب الترقيم السرياني: 1-6، 8، 11- 13، 15، 16، 19، 27، 142.
[32]  غريغوريوس يوحنا إبراهيم (متروبوليت حلب)، صلّوا لأجلنا، خدمة القداس وصلوات شتى، دار ماردين، حلب، 1996م، ص 10.
[33] هي بحسب الترقيم السبعيني: 1- 6، 8، 11، 12، 14، 15، 26، 142
34 O. H. E. Burmester, The Horologion of the Egyptian Church, p. X
[35] Ms. ser. no. 169, Coptic Museum. وهذا المخطوط هو من بين المخطوطات الرئيسية التي بنينا عليها دراسة للأجبية القبطية.
36 Burmester, The Horologion of the Egyptian Church, p. 153- 155.
[37] ورد في هذه الأجبية بعد مزامير صلاة باكر (وعددها 29 مزموراً) الآتي: إبصالية بلحن آدام تُقال بعد مزامير صلاة باكر، ترتيب برية القديس أنطونيوس. وقد سبق أن ذكرنا أن ناسخ هذه الأجبية هو الراهب مقار من دير أنبا مقار عن نسخة الراهب شنوده من دير السيدة العذراء (المحرق)، مما يفيد أن هذا المخطوط لا يختص بأحد أديرة الوجه البحري فحسب، لكنه أيضاً طقس أحد أشهر أديرة الصعيد.

Post a Comment

أحدث أقدم