التعالـيم الـروحـية في الصـلوات اللـيتورجـية (3 ـ السجدات الثلاث في عيد العنصرة)


التعالـيم الـروحـية في الصـلوات اللـيتورجـية (3 ـ السجدات الثلاث في عيد العنصرة)

التعالـيم الـروحـية في الصـلوات اللـيتورجـية (3 ـ السجدات الثلاث في عيد العنصرة)


3 ـ السجدات الثلاث في عيد العنصرة
          1 ـ يتضح من صلوات عيد العنصرة الذي يوافق اليوم الخمسين لقيامة المسيح أن الكنيسة تحتفل بحلول الروح القدس على الكنيسة كلها يوم الخمسين . في هذا اليوم تمجد أقانيم الثالوث الآب والابن والروح القدس . لأنه بحلول الروح القدس اكتمل التدبير الإلهي أي اكتمل إعلان الثالوث القدوس بمجيء الروح القدس على المؤمنين .
          ويلزم أن نسأل أنفسنا لماذا حلّ الروح يوم الخمسين فيوم الخمسين هو أصلاً عيد من أعياد بني إسرائيل في العهد القديم فبحسب سفر اللاويين يحسبون من غد السبت من يوم الإتيان بحزمة الترديد سبعة أسابيع تامة تكون إلى غد السبت السابع " تحسبون خمسين يومًا ثم تقدمون تقدمة جديدة للرب " (لا10:23،11،15،16). فالحزمة الأولى هي حصاد الشعير والحزمة الثانية " التقدمة الجديدة " هي حصاد الحنطة وميعاد تقديم حزمة الترديد الأولى يُحسب من غد السبت لحصاد الشعير ، وكان هذا اليوم في سنة صلب المسيح هو سبت الفصح فغد السبت هو أحد القيامة ، والسبعة أسابيع بعد أحد القيامة تصل بنا إلى يوم الخمسين أو أحد العنصرة. وفي هذا اليوم حلّ الروح القدس على الكنيسة المجتمعة في العلية ، فهناك معنى لحلول الروح القدس في ميعاد اكتمال الحصاد أي أن سر الخلاص اكتمل بمجيء الروح القدس الذي يعلمنا كل شئ (يو26:14) .
          بعد صعود المسيح فإن الروح القدس هو الذي يبدأ حياتنا الروحية لأنه هو عربون ميراثنا (أف14:1) . كما أنه هو يؤازر حياتنا الروحية ويسندها على الدوام إلى أن يكملنا باتحادنا بالمسيح لنصير مسكنًا لله في الروح (أف22:2) .
          وهكذا فإن مجيئنا إلى الله الآب بالابن في الروح القدس هذا هو سر الخلاص الذي نعيد له يوم الخمسين وكما قلنا عيد اكتمال التدبير الخلاصي بمجيء الروح القدس وإعلان الثالوث .
          2 ـ تعمل صلوات السجدات الثلاث للثالوث القدوس في مساء أحد العنصرة وكما يذكر كتاب صلوات السجدة ، فهذا للتذكير بأن المسيح فصحنا ذُبح في نحو الساعة التاسعة (3 بعد الظهر) وهو في نفس الوقت ميعاد ذبح خروف الفصح عند الإسرائيليين ، كما أن السجدتين الأولي والثانية تتمان في الخورس الثالث أي جهة الغرب تذكير بأن المسيح ذُبح خارج المحلة وهكذا فإن الروح القدس ينقلنا من خارج المحلة إلى داخلها مع المسيح ولذلك فإن السجدة الثالثة تتم أمام الهيكل في الخورس الأول . أي أننا بمجيء الروح ندخل مع المسيح إلى الآب .
تعاليم من صلوات أحد العنصرة :
          (1) " تهللوا أيها المؤمنون مع الرسل ولنعيد عيدًا روحيًا في عيد البندكستى حقًا لأنه أرسل الروح المعزى .. فلنسبحه جهرًا ونمجده ونصرخ قائلين يا ملك الدهور الغير المدرك طهر لساننا وعلّمنا . نعم يا سيدنا كن معنا . طهر إنساننا الداخلي واجعلنا مستحقين كلنا نعمة الروح المعزى . نسجد للآب الصالح مع ابنه يسوع المسيح والروح القدس المعزى الثالوث الأقدس المساوي... " (من ابصالية آدام عيد العنصرة) .
          (2) في قداس أحد العنصرة تُقال قطع صلاة الساعة الثالثة بعد الإبركسيس باللحن (6قطع) من بينها قطعة " أيها الملك السمائي " (ولا تُقال هذه القطع بعد مزامير الساعة الثالثة) .
          (3) " عندما أشرق الروح كألسنة نارية نجثو على الأرض ولا نستطيع أن نحتمل منظره ونحن معترفون أنه من قبل حلول الروح القدس تعلمنا السجود للثالوث المحيي ... من أجل هذا نسأل ونصرخ قائلين أيها الروح الباراقليط الهب عقولنا وقلوبنا لنقول كما يليق بالإله : المجد للآب والابن والروح القدس الثالوث القدوس المساوي الآن وكل أوان ... إلخ " (من طرح إنجيل قداس أحد العنصرة) .
السجدة الأولي : يوضع بخور في المجمرة وتُقال ابصالية فيها تمجيد وإكرام للثالوث الأقدس مشابه لبداية قداس الإفخارستيا عند رفع الحمل وتبدأ هكذا .
(4 ) " مجدًا وإكرامًا ومجدًا للثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس نياحًا وبردًا لأنفس عبيدك الذين رقدوا في الأمانة الأرثوذكسية .. ".
          ويظهر من هذا الصلاة ومن صلوات أخري في السجدات أن الكنيسة تصلي في عيد حلول الروح القدس من أجل راحة انفس المؤمنين الذين رقدوا في الإيمان لأن الروح القدس الذي حل على المؤمنين يوم الخمسين هو الذي يعطى النعمة والعزاء للكنيسة المنظورة على الأرض . وفي نفس الوقت هو الذي يعطى السلام والراحة لكنيسة المنتقلين وهذا تعبير عن الشركة بين الكنيستين المنظورة وغير المنظورة وتعبير عن الشفاعة المتبادلة بيننا وبين المؤمنين الذين انتقلوا في الإيمان .
          (5) وفي السجدة الأولى يُقرأ البولس من كورنثوس الأولى عن عمل الروح القدس في الكنيسة بواسطة الرسل والأنبياء والمعلمين وأصحاب القوات ومواهب الشفاء ومواهب الألسنة إلى أخره ، ثم يتحدث عن الطريق الأفضل وهو طريق المحبة التي بدونها لا تكون هناك قيمة للمواهب . وهذا تذكير للمؤمنين بأن الهدف من جميع المواهب المعطاة لكل الأعضاء هو بنيان الكنيسة معًا والطريق الأساسي الذي يؤدى للبنيان هو المحبة (أنظر البولس السجدة الأولى 1كو28:12 وحتى 1:13ـ12) .
          (6) وفي السجدة الأولى أيضًا يُقرأ الإنجيل من يوحنا 1:17ـ26 وهو صلاة المسيح الشفاعية التي ختم بها حديثه مع التلاميذ بعد العشاء .

          وفي الجزء الأخير من هذه الصلاة يقول الرب إنه يصلي ليس فقط "من أجل التلاميذ ، بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بكلامه ليكون الجميع واحدًا " (يو20:17ـ26) . فهو يطلب من الآب من أجل وحدة المؤمنين في المسيح ووصولهم إلى الاتحاد بالآب عن طريق المسيح وأن هذه الوحدة بين المؤمنين في المسيح هي شهادة للمسيح أمام العالم . كما يختم المسيح الصلاة بأنه سيستمر في تعريف المؤمنين باسم الآب أي بعد صعوده أي بواسطة مجيء الروح القدس حسب وعده " لكي يكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم " (يو26:17) . وفي الطرح الذي بعد قراءة الإنجيل نقرأ أن "نعمة الروح هي خمر جديد هذا الذي امتلأ منه الرسل " ونطلب من الله أن يطهرنا نحن أيضًا بصلوات الرسل من شر الإنسان العتيق . وأن نكون مستحقين لشركة الروح القدس .
          (7) في طلبة السجدة الأولي التي تُقال والشعب ساجد[1] : نجد أن الصلاة توجه لله الآب أبو الرب يسوع المسيح الذي تجسد من أجلنا ومن أجل خلاصنا من الروح القدس ومن القديسة مريم . وهناك ذكر لآلام المسيح الخلاصية وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين أبيه وأنه بعد جلوسه أرسل روحه القدوس . وبعد ذلك تطلب الصلاة الرحمة والتطهير من خفاياتنا وغفران خطايانا وطلب دخول الجميع إلى ملكوته وتكرر الطلبة قائلة " طهرنا كلنا بالقوة الصالحة التي لروحك القدوس .
السجدة الثانية :
          (8) نلاحظ في فصل النبوة من سفر التثنية أن هناك ذكر للخروج من أرض مصر حيث كانوا عبيدًا لفرعون وعبورهم إلى أرض الموعد وفي هذا إشارة إلى العبور الذي صنعه المسيح بصليبه وقيامته أي الفصح أو البصخة والذي يتحقق لنا الآن بمجيء الروح القدس الذي ينقلنا للقيامة مع المسيح والدخول معه إلى السماويات .
          (9) في البولس من كورنثوس الأولي يتكلم أيضًا عن المحبة أنها أعظم من كل فضيلة وأن الهدف من جميع المواهب سواء كانت ألسنة أو غيرها هو بنيان الكنيسة ومنفعة الآخرين وبنيانهم (1كو13:13 إلى 17:14) .
          (10) وفي إنجيل السجدة الثانية من نهاية بشارة معلمنا لوقا نجد الوعد الذي يعطيه المسيح للتلاميذ بأن يرسل إليهم موعد الآب وأن يمكثوا في أورشليم حتى يلبسوا قوة من الأعالي (لو36:24ـ53) وهذا الوعد تحقق بمجيء الروح القدس على الكنيسة يوم الخمسين .
          (11) في طلبة السجدة الثانية يطلب الكاهن أن " يأتي علينا روحك القدوس الذي أرسلته على تلاميذك ... ومن قبلهم قبلنا معرفة لاهوتك وامتلأنا نورًا من قبل لهيب روحك القدوس " .
          والصلاة في هذه الطلبة توجه للمسيح ابن الله إذ يقول " وآمنا وتكلمنا بمجد لاهوتك مع الآب والروح القدس بلاهوت واحد وسلطان واحد وبك استنرنا لأنك أنت نور الآب " . ومن هذه الصلاة يتضح أننا ننال معرفة الله بامتلآنا من نور الروح القدس ، والروح القدس معطى لنا من المسيح الذي هو نور الآب وهكذا فنحن نصل إلى معرفة الآب بالابن في الروح القدس بحسب تعبير القديس أثناسيوس . ويطلب الكاهن أيضًا أن يرسل المسيح روحه على أفكارنا وأن يتجدد روحه المستقيم في أحشائنا .. ويختم الطلبة بالتمجيد والإكرام والسجود للمسيح مع الآب والروح القدس .. إلخ "
السجدة الثالثة
          (12) في النبوة يُقرأ فصل من ترتيب الفصح وفي نهاية الفصل  هناك إشارة إلى عيد الأسابيع أي عيد الخمسين (تث1:16ـ18) وفي هذه النبوة إشارة إلى المسيح فصحنا الحقيقي والذي به نعبر من الموت إلى الحياة وكذلك إلى عمل الروح القدس الذي يكمل عمل المسيح فينا بتتميم هذا العبور من الخارج إلى حضرة الله وكما ذكرنا فإن السجدة الثالثة تتم أمام باب الهيكل .
          (13) في رسالة البولس (1كو18:14ـ40) يتحدث أيضًا عن الهدف من كل موهبة روحية أنه بنيان الكنيسة .
          (14) يُقرأ إنجيل السجدة الثالثة من (يو1:4ـ24) وهو يحوى إشارة واضحة من الرب يسوع في حديثه مع السامرية عن الماء الحي الذي يعطيه هو أي الروح القدس وأن هذا الروح يروى النفس ويصير فيها ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية . ثم يتحدث الرب عن السجود الحقيقي للآب أنه يكون بالروح والحق أي بالروح القدس الذي يعرفنا المسيح ، الذي هو الحق، وبالمسيح الحق نعرف الآب ونعبده عبادة حقيقية .
          (15) وفي طرح إنجيل السجدة الثالثة نصلي إلى الروح القدس قائلين " أيها الروح المعزى الذي حل على الرسل ألق نارًا في عقولنا وقلوبنا بقوتك العظيمة وأرشد نفوسنا إلى معرفة حقوقك لكي نقول ما يليق بالله : المجد للآب والابن والروح القدس ... إلخ " .
          (16) في طلبة السجدة الثالثة :
          الصلاة موجهة للمسيح وفيها ذكر للخلاص الذي صنعه بصليبه وقيامته وطلب نياح للذين سبق رقادهم في الإيمان وطلب مراحم للأحياء أيضًا . ويُذكر في هذه الطلبة أنه في هذا اليوم " الذي هو عيد الخمسين أعلنتنا بكمال سر الثالوث القدوس المساوي غير المفترق وغير المتغير من قبل إفاضة روحك القدوس علينا .. "
          فكما ذكرنا أن مجيء الروح القدس يوم الخمسين هو كمال سر الثالوث أي اكتمال إعلان الله الثالوث الآب والابن والروح القدس .
          وبعد انتهاء السجدة الثالثة يُقال قانون عيد الروح القدس الذي أوله "الروح القدس الذي نزل من السماء .." وفي ختامه تمجيد للآب والابن والروح القدس مكررًا .



[1] يذكر كتاب صلوات السجدات أن السبب في أن تُقال الطلبة والشعب ساجد هو ما حدث أيام البطريرك مقاريوس الأنطاكي أنه هبت ريح عاتية أثناء صلاة هذه الطلبة وهم واقفين يوم عيد الخمسين فلما سجد المصلون من الرعب هبطت الريح وهكذا قاموا مرة أخرى فتكرر هبوب الريح العاتية فكرروا السجود وهكذا ثلاث مرات ، وهكذا عرفت الكنيسة من ذلك الحين أنه ينبغي الصلاة في حالة سجود في عيد حلول الروح القدس .

Post a Comment

أحدث أقدم