التعاليم الروحية في الصلوات الليتورجية
1 ـ في دورة الصليب
مقدمة :
تعيد
كنيستنا القبطية الأرثوذكسية للصليب المجيد مرتين كل سنة ، الأولى في 17 توت وهو
عيد تكريس كنيسة الصليب ، والثانية في 10 برمهات ، وهو العيد الأصلي لظهور الصليب
المجيد على يد القديسة الملكة هيلانة أم الملك قسطنطين سنة 326م. وذلك أن الملكة
هيلانة زارت أورشليم بحثًا عن الصليب المقدس .. واستمر البحث عنه[1]
إلى أن عُثر عليه تحت تل عظيم من القاذورات ارتفاعه 20 قدم ... وإذ احتضنت
الإمبراطورة الصليب المقدس شعرت بعذوبة النعمة قد تغلغلت إلى أعماق نفسها الداخلية[2] ..
فحمل الأسقف مقاريوس والإمبراطورة الصليب إلى الكنيسة في موكب النصرة[3].
فأقامت الإمبراطورة كنيسة كبيرة على القبر المقدس سميت باسم أورشليم الجديدة.. وقد
وزعت أجزاء كثيرة من خشب الصليب على عدة كنائس في العالم المسيحي آنذاك .
الصليب والكنيسة :
الكنيسة
في جوهرها السري هي صليب الرب ، وفيها يتمجد جسده أي شعبه . لهذا يرتفع على عرش
المذبح ، كما على حامل الأيقونات وفوق المنارة . ويستخدم الكاهن صليب اليد في
الخدمات الليتورجية وأثناء الكرازة ، كما يحمل الشمامسة الصليب في مقدمة أي موكب
كنسي . بمعنى آخر ، يرتبط الصليب بحياة الكنيسة كلها .
ويقوم
العمل الكهنوتي في الكنيسة على اختفاء كل كاهن وراء صليب الرب ، فلا يعمل لذاته .
بل يعمل الله به ، لأن الرب نفسه هو أسقف نفوسنا الذي يلزم أن يختفي خلفه الأساقفة
والكهنة . ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم [4]
" حين تنظر الكاهن يقدم الذبيحة تأمل يد السيد المسيح ممتدة بنوع غير ملحوظ
" . ويقرر القديس يوحنا سابا نفس الأمر إذ يقول " قال لي أخ صادق : إنني
إذ تقدمت لأخدم الأسرار الإلهية .. شاهدت المسيح نفسه قائمًا يكهن بمجد عظيم لا
يُنطق به " .
صليب الدورة
:
يشير
سقراط المؤرخ الكنسي[5]
إلى صلبان الدورة التي قدمتها الإمبراطورة أفدوكسيا للكنيسة واستخدمها القديس
يوحنا ذهبي الفم في الدورات الليلية أثناء التسبيح ..
وكنيستنا
القبطية تستخدم صليبًا مغطي بالذهب أو فضيًا للدورة ، له يد طويلة يحمله الشماس ،
ويسير وراءه شماسان حاملان مروحتين من الفضة أو مغطيتان بالذهب ، وذلك أثناء كل
دورة كنسية ، وعند دخول الأسقف إلى الكنيسة ، أو في دورة الأعياد مثل أعياد الصليب
والشعانين .
كما أن صليب الدورة
غالبًا ما يحمل صورة الرب يسوع المسيح مصلوبًا على جانب منه ، والمسيح مقامًا على
الجانب الآخر ، وغالبًا ما تكون عدد الدورات ثلاث ، وفي الدورة الثالثة يظهر
الشماس الجانب الثاني للصليب ، كأنما سر فرح الكنيسة هو صلب الرب يسوع وقيامته .
وتأخذ
المراوح شكل الشاروبيم ، حتى يمثلا أثناء الدورة شركة الخليقة السماوية لنا في
فرحنا الروحي .
الدورة
وفي
الدورة تتم ثلاث مرات في السنة : مرتين في عيدي الصليب ، ومرة باكر أحد الشعانين .
وفي صلاة رفع بخور باكر في عيد الصليب تحتفل الكنيسة بالصليب وتكرمه بطريقة بديعة
مؤثرة للغاية فيحمل الشمامسة الصليب المقدس مزينًا بالورود ومضاءً بثلاث شمعات
ويطوفون البيعة ، والكهنة لابسين البرانس حاملين المجامر .
ويبدأون
بدورة الصليب حول المذبح ، ثم يقفون باب الهيكل الكبير ويقرأون فصلاً من
الإنجيل بعد المزمور ، ثم يردون مردًا للصليب . ثم يقفون ثانية أمام أيقونة
السيدة العذراء ويقرأون فصلاً آخر من الإنجيل .. وهكذا إلى أن تكمل الدورة ويرجعون
مرة أخرى .
ولكن
السؤال الذي يطرح نفسه :
لماذا
كل هذا الطقس ، وما هو السر وراء هذه الدورة ؟
الواقع
أن الكنيسة تكرم الصليب حيًا معاشًا فيها بوضوح في مستويين:
الأول: الصليب الحي والمعلن في الكنيسة
كمبني وممارسة وعبادة توصل النفس إلى الحياة الأبدية .
الثاني: الصليب الحي والمعلن في الكنيسة
كنفوس قديسين مكملين في المجد مبنيين كحجارة حية بيتًا روحيًا .
1 ـ ففي دورة الصليب
عندما نقف أمام باب الهيكل الكبير وأبواب الكنيسة البحري ثم القبلي ، واللقان ...
إلخ فنحن في الواقع نعيد للصليب من خلال عبادتنا الكنسية ، ودخولنا إلى بيت الله
وخروجنا منه ، وفي جميع الممارسات الأخرى .
2 ـ عندما نقف أمام
أيقونات السيدة العذراء والملائكة والشهداء والقديسين ، فنحن في الواقع لا نتذكر
هذه الطغمات تذكرًا نفسيًا بل ندخل معهم في شركة حياتهم وجهادهم وفضائلهم ،
وبالاختصار في شركة الروح القدس الذي فيهم . إن القديس أعطى ذاته كليًا لله ليحل
فيه وينيره . فذكرنا للقديسين إذن يكون بمثابة تنمية وتعميق لشركتنا مع المسيح ،
وفي ذات الوقت دخول وارتباط بالخليقة الجديدة وفي سر قداستها . والصليب في حقيقته
هو الصلح بين السمائيين والأرضيين ، والرباط الذي يربط هذه الطبيعة الممجدة فيهم
والتي لا تزال في طريقها للتمجيد فينا .
لحن الاحتفال بالصليب
:
وهو
اللحن الذي يُقال في أحد الشعانين ، لحن الانتصار ، فأحد الشعانين هو بداية الصليب
، بدخول الرب الانتصارى راكبًا على أتان وجحش ابن أتان كالتدبير . وهذا اللحن يشيع
في النفس الفرح والغبطة ، والصليب في واقعه هو ملكوت الله . وهو الوسيلة التي
استرد بها الرب جنسنا من قبضة العدو ..
وعن
طريق الصليب نزل الرب إلى الجحيم ، وسبى سبيًا وأعطى الناس كرامات ... والرب قد
ملك بالصليب .
ولحن
الصليب هو اللحن الملكي الذي عندما تصرخ به الكنيسة تتوافق مع تسبيح الأطفال في
هيكل أورشليم يوم دخول الرب الانتصارى ، وهم يقولون : أوصانا مبارك الآتي باسم
الرب ..
1 ـ قدام الهيكل الكبير
:
المزمور
: 4:103،1:137
"
الذي صنع ملائكته أرواحًا وخدامه نارًا تلتهب ، أمام الملائكة أرتل لك وأسجد قدام
هيكلك المقدس " هللويا .
الإنجيل :
يوحنا 44:1ـ52 .
إن
التعييد للصليب في هذا المكان يكون بمثابة اكتشاف الأسرار التي تشتهي الملائكة أن
تتطلع عليها داخل الهيكل .
2 ـ أمام أيقونة السيدة العذراء
:
المزمور
: 2:86،5،7 .
"
أعمال مجيدة قد قيلت لأجلك يا مدينة الله ، وهو العلي الذي أسسها إلى الأبد ؛ لأن
سكنى الفرحين جميعهم فيك " هللويا .
الإنجيل
: لوقا 39:1ـ56 .
الصليب
في حياة العذراء إيمان تطوبها بسببه جميع الأجيال على الأرض وفي السماء . الصليب
في حياة العذراء ليس قبول آلام وشركة أتعاب مع المسيح فحسب ، بل هو إيجابيات وعمل
روحاني .
3 ـ أمام أيقونة الملاك غبريال
:
المزمور
: 6:33،7 .
"
يعسكر ملاك الرب حول كل خائفيه وينجيهم . ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب . طوبى
للإنسان المتكل عليه " هللويا .
الإنجيل
: لوقا 26:1ـ38 .
إن هذا الملاك المُفرح يدفعنا ويشجعنا
على حمل صليب البشارة عينها إلى كل الذين هم على بعد . " ما أجمل أقدام
المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات .. " .
4 ـ أمام أيقونة الملاك ميخائيل
:
المزمور
: 17:102،18 .
"باركوا
الرب يا جميع ملائكته المقتدرين بقوتهم الصانعين قوله ، باركوا الرب يا جميع قواته
خدامه العاملين إرادته " هللويا .
الإنجيل
: متى44:13ـ53 .
هنا
نكرّم رئيس جند الرب الذي سيميز عبيد سيده المختومين بختم صليب المسيح على قلوبهم
وجباههم ، ونفرح عند إستعلان نجاتنا بسر صليب ربنا وبيد رئيس ملائكته القديسين.
5 ـ أمام أيقونة مار مرقس الإنجيلي :
المزمور
: 13:67.
"
الرب يعطى كلمة للمبشرين بقوة عظيمة ، ملك القوات هو الحبيب وفي بهاء بين الحبيب
أقسموا الغنائم " هللويا .
الإنجيل
: لوقا 1:10ـ12 .
6 ـ أمام أيقونة سادتنا الرسل :
المزمور
: 3:18،4 .
"
الذين لا تسمع أصواتهم في كل الأرض خرج منطقهم ، وإلى أقطار المسكونة بلغت أقوالهم
" هللويا .
الإنجيل
: متى 1:10ـ8 .
هؤلاء الذين عانقوا صليب مخلصنا إلى
النفس الأخير .. خرجت أصوات شهاداتهم إلى أقصاء الأرض كلها .
7 ـ أمام أيقونة الشهيد مار جرجس أو أي شهيد
:
المزمور
: 11:69 .
"
نور أشرق للصديقين وفرح للمستقيمين بقلبهم ، أفرحوا أيها الصديقون بالرب وافتخروا
لذكر قدسه " هللويا .
الإنجيل
: لوقا 12:21ـ19 .
يا
أولاد الشهداء كرِّموا الصليب المجيد ، وطأطئوا الرأس أمام من التصقوا بالصليب حتى
صاروا واحدًا معه .
8 ـ أمام أيقونة الأنبا أنطونيوس أو أي قديس :
المزمور
: 35:68،3 .
"عجيب
هو الله في قديسيه ، إله إسرائيل هو يعطى قوة وعزًا لشعبه ، الصديقون يفرحون
ويتهللون أمام الله ويتنعمون بالسرور " هللويا .
الإنجيل
: متى 24:16ـ28 .
هنا
صليب الإيمان المعاش . فالإيمان في حياة الأنبا أنطونيوس لم يكن نظريات ولا فلسفات
بشرية ، بل قوة قادرة أن يستند عليها ، كمن يستند على ذراع الله .
9 ـ أمام الباب البحري
:
المزمور
: 1:84.
"
مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلى ديار الرب "
هللويا .
الإنجيل
: لوقا 23:13ـ30 .
10 ـ أمام اللقان (غسيل الأرجل) :
المزمور
: 3:29 .
"
صوت الرب على المياه إله المجد أرعد الرب على المياه الكثيرة صوت الرب بقوة "
هللويا .
الإنجيل
: متى 13:3ـ17 .
11 ـ أمام باب الكنيسة القبلي :
المزمور
: 19:118،20.
"
افتحوا لي أبواب العدل لكيما أدخل فيها واعترف للرب . هذا هو باب الرب والصديقون
يدخلون فيه " هللويا .
الإنجيل
: متى 1:21ـ11 .
12 ـ أمام أيقونة القديس يوحنا المعمدان :
المزمور
: مز8:52،9.
"
وأنا مثل شجرة الزيتون المثمرة في بيت الله ، أتمسك باسمك فإنه صالح قدام
أبرارك " هللويا .
الإنجيل
: لوقا 27:7ـ35 .
[1]
أرشدها الحاخام الشيخ يهوذا إلى موضعه ، والذي حمل اسم قرياقص عند عماده
Gregory
of Tours: H.E. Francorum 1:34 PL. 71:179.
[4]
كتاب الحب الإلهي للقمص تادرس يعقوب ، ص 27،32.
إرسال تعليق