آية حيرت كثيرين: تفسير رومية 3: 7 والرد على الشبهات
فهم عميق لسياق النص اللاهوتي ودحض المفاهيم الخاطئة
مقدمة: مكانة رسالة رومية وأهمية فهم سياقها
أصدقائي متابعي موقعنا الكرام، أهلًا بكم في مقال جديد. تُعتبر رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية واحدة من أعمق وأهم الرسائل في الكتاب المقدس، وتشكل أساسًا لاهوتيًا للإيمان المسيحي. كتب الرسول بولس هذه الرسالة لشرح خطة الله للخلاص، وكيف يمكن للإنسان أن يتبرر – أي أن يصبح بارًا ومقبولًا أمام الله – ليس عن طريق أعمال الناموس أو الشريعة، بل بالإيمان بيسوع المسيح. توضح هذه الرسالة بجلاء أن جميع البشر، سواء كانوا يهودًا ملتزمين بالناموس أو أممًا (أي غير يهود)، كلهم في حاجة ماسة إلى هذا الخلاص، لأن "الْجَمِيعَ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رومية 3: 23).
تكمن أهمية رسالة رومية في تفصيلها لمفهوم "بر الله" (Righteousness of God) وتوضيح أن الخلاص هو نعمة مجانية من الله لكل من يؤمن به. تشرح الرسالة أن الإنسان، بطبيعته الساقطة بعد الخطية الأصلية، غير قادر على الوصول إلى هذا البر بمفرده مهما حاول، وهذا ما يجعل نعمة الله وفداء المسيح ضروريين وأساسيين لكل البشرية.
الآية التي سنتناولها في هذا المقال، "فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟" (رومية 3: 7)، تأتي في سياق الأصحاح الثالث، وهو جزء أساسي من حجة بولس الرسول التي تؤكد أن "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله." في هذا الأصحاح، يبدأ بولس بمناقشة فضل اليهود على الأمم، ويوضح أنهم اؤتمنوا على أقوال الله (الناموس والنبوات)، لكن هذا لم يمنع أن كثيرين منهم لم يكونوا أمناء.
من الأهمية بمكان أن نفهم أن هذه الآية ليست كلام الرسول بولس الذي يعبر به عن رأيه أو إيمانه الشخصي. بل هي جزء من حوار جدلي (رhetorical dialogue / διαλογισμός) يطرحه بولس في الرسالة، كأنه يتحدث مع معترض افتراضي – عادة ما يكون يهوديًا يجادل حول عدل الله أو مكانة الناموس. يضع بولس هذا الاعتراض على لسان المعترض ليرد عليه ويثبت وجهة نظره اللاهوتية الصحيحة. فهم سياق رسالة رومية ككل، وخاصة الأصحاح الثالث، يوضح أن الآية ليست مجرد جملة منفصلة، بل هي نقطة محورية في حجة بولس اللاهوتية عن فساد البشرية وحاجتها للخلاص ببر الله بالإيمان. هذا الفهم المترابط للنص يكشف أن بولس لم يكن يشجع على الكذب أو الشر، بل كان يرد على منطق فاسد يحاول تبرير الخطية، وهذا يمثل أساسًا قويًا لدحض أي سوء فهم أو شبهة حول الآية.
يبدأ سياق هذا الحوار الجدلي من بداية الأصحاح الثالث. بولس يطرح سؤالًا: "فَمَا هُوَ فَضْلُ الْيَهُودِيِّ، أَوْ مَا هُوَ نَفْعُ الْخِتَانِ؟" ويجيب: "كَثِيرٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ! أَمَّا أَوَّلاً فَلأَنَّهُمُ اسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ اللهِ." (رومية 3: 1-2). ثم يطرح بولس سؤال المعترض الافتراضي: "فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يُؤْمِنُوا؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ اللهِ؟" ويرد بولس بحزم: "حَاشَا! بَلْ لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي كَلاَمِكَ، وَتَغْلِبَ مَتَى حُوكِمْتَ»." (رومية 3: 3-4). وبعدها يأتي سؤال آخر من المعترض، وهو الذي يحتوي على آيتنا موضوع النقاش: "فَإِنْ كَانَ إِثْمُنَا يُبَيِّنُ بِرَّ اللهِ، فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ اللهَ الَّذِي يَجْلِبُ الْغَضَبَ ظَالِمٌ؟ أَتَكَلَّمُ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ. حَاشَا! فَكَيْفَ يَدِينُ اللهُ الْعَالَمَ إِذْ ذَاكَ؟ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟" (رومية 3: 5-7). هذا التسلسل الحواري ضروري لفهم أن الآية 7 هي جزء من اعتراض يطرحه بولس، وليس تأكيدًا أو رأيًا من الرسول نفسه.
الخلاصة: فهم شامل لآية رومية 3: 7
الآية "فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟" (رومية 3: 7) هي سؤال استنكاري جدلي يطرحه الرسول بولس على لسان معترض افتراضي، وليست كلامًا يعبر به عن رأيه أو إيمانه الشخصي. هذا السؤال يعكس محاولة فاسدة لتبرير الخطية بحجة أنها قد تُظهر مجد الله.
إن فهم السياق الكامل للآية في رسالة رومية، مع الرجوع إلى الأصل اللغوي الدقيق للكلمات وتفسيرات آباء الكنيسة الأوائل، يساعد على تبديد أي شبهات وبيقدم فهمًا عميقًا وموثوقًا للحق الإيماني.
أهم النقاط المستخلصة:
- كلمة "كذبي" هنا لا تعني مجرد كذب قولي، بل تشير إلى حالة الإنسان الخاطئة التي تكسر العهد مع الله وتنحرف عن الحق الإلهي المطلق.
- الله عادل وقدوس ومن المستحيل أن يوافق على الشر أو يشجع عليه، حتى لو كان بقدرته المطلقة يستطيع أن يُخرج خيرًا من الشر (كما في حالة صلب المسيح).
- الإنسان مسؤول مسؤولية كاملة عن خطاياه، وهي اختيار إرادي يحمل تبعات حتمية.
- التعليم المسيحي، كما يوضحه الكتاب المقدس وآباء الكنيسة الأوائل، يرفض رفضًا قاطعًا أي تبرير للخطية ويؤكد على عدل الله المطلق وضرورة التوبة والخلاص بالإيمان بيسوع المسيح.
نأمل أن يكون هذا المقال قد قدم لك فهماً عميقاً ومبسطاً لهذه الآية الهامة، وأن يكون دليلاً لك في رحلتك لفهم كلمة الله.
إرسال تعليق