مأساة العزلة والتعصب: مذكرات أبونا متى المسكين

مذكرات أبونا متى المسكين
 

مأساة العزلة والتعصب: مذكرات أبونا متى المسكين


عندما نلقي نظرة على مذكرات أبونا متى المسكين، نجد أنفسنا أمام صورة حزينة ومؤلمة لتجربة الأقباط الأرثوذكس المصريين. إنها تجربة عزلة قسرية فُرضت عليهم منذ مجمع خلقيدونية في العام 451 ميلاديًا، حيث تعرضوا لحصار ثقافي ولغوي وحضاري. منذ ذلك الحين، فقد الأقباط الارثوذكس المصريين كل صلة بالعالم الخارجي.


فقدان اللغة اليونانية، التي كانت لغة اللاهوت والفلسفة والعلم، جعلهم يفقدون الاتصال بالماضي والمستقبل. كما فقدوا تراثهم الآبائي بأكمله، وكانوا يعيشون في عزلة ذاتية فرضوها على أنفسهم نتيجة الخوف والوحدة والعزلة الطائفية.


ثم جاء غزو العرب وانتشار الإسلام بعد مجمع خلقيدونية بمائتي عام، فتم تعزيز هذه العزلة وفقدان اللغة الثانية، القبطية، التي كانت لغة الوطن والحضارة الأولى. وصدر أمر من الخليفة بقطع لسان كل من يتحدث بالقبطية، مما أدى إلى انقطاعها بشكل تدريجي حتى اندثرت تمامًا.


وفي هذا السياق، نشهد استيقاظ الأقباط ليجدوا أنفسهم قد نسوا لغتهم الأصلية، حيث أصبحت مخطوطاتهم التي كانت تملأ خزانات الكتب باليونانية والقبطية لا تحمل قيمة أو معنى أو أثر. كما أنهم وصلوا إلى أقصى درجات الضعف منذ القرن السابع وحتى اليوم.


في ظل هذه الظروف، لا يمكن أن نعتبر تعصبهم أمرًا غريبًا، فالعزلة والخوف والجهل فرضت عليهم هذا التعصب الفكري والديني الذميم. وهذا التعصب، الذي يعتبر في الحقيقة عتمة في الرؤية وانحصارًا فكريًا، سيطر على كل علاقاتهم.


باختصار، مذكرات أبونا متى المسكين ترسم صورة حية لمعاناة الأقباط الأرثوذكس المصريين، وتكشف عن العوامل التي أدت إلى تشديد تعصبهم وانغلاقهم على الذات، مما أثر سلبًا على تطورهم وعلاقاتهم بالعالم الخارجي.




Post a Comment

أحدث أقدم