لماذا توجود تماثيل وحوش على كاتدرائية نوتردام بفرنسا !

هل تعلم لماذا توجود تماثيل وحوش وشياطين على كاتدرائية نوتردام بفرنسا !
 

لماذا توجود تماثيل وحوش على كاتدرائية نوتردام بفرنسا !


استيقظت مدينة باريس على صوت أجراسها يدق، وهكذا بدأ الكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوجو روايته البارزة "أحدب نوتردام". وفي ليلة الخامس عشر من إبريل عام 2019، عاشت فرنسا والعالم بأسره ليلة مظلمة حزينة بعد اندلاع حريق هائل في واحدة من أعظم التحف الأثرية على وجه الأرض، وهي كاتدرائية نوتردام الشهيرة. ظل الناس جميعًا يتأملون بصمت شديد أمام لسان اللهب الذي التهم السقف التاريخي، قبل أن يسقط معاً أبراجها وتماثيلها ووحوشها الخرافية.


كاتدرائية نوتردام تعتبر واحدة من أبرز المعالم التاريخية في العالم، وتقع في قلب العاصمة الفرنسية باريس، على ضفاف نهر السين. بدأ بناء هذه الكاتدرائية قبل 850 عامًا، في موقع كانت تقع فيه أول كنيسة مسيحية في باريس، وهي كاتدرائية القديس استيفان، أو بازيليك القديس استيفان، التي بُنيت بدورها على أنقاض معبد جوبيتر الروماني.


سرعان ما تحولت مشاعر التعاطف مع الحريق الكبير في كاتدرائية نوتردام إلى هجوم على بعض التماثيل المنحوتة على جدرانها. في الواقع، فإن التماثيل الموجودة على كاتدرائية نوتردام في باريس ليست محصورة فقط في هذه الكاتدرائية، بل توجد في عدد كبير من الكاتدرائيات والمباني التاريخية في أنحاء أوروبا بشكل عام.


صحيح، في الواقع، تزخر الكاتدرائيات والمباني التاريخية في أوروبا بالعديد من المنحوتات الغريبة وذات الأجنحة التي تشكل جزءًا من الفن القوطي. يُعرف هذا الفن بتأثيره البارز خلال العصور الوسطى، حيث كان يتحدث إلى الأمميين والشعوب غير المتعلمة من خلال رمزيته لينقل الرسائل والمعاني لهم بطرق مباشرة. وكان هذا النوع من الفن يعتبر وسيلة فعالة للتواصل مع الجماهير وإيصال الرسائل الدينية والثقافية والسياسية بشكل مفهوم وملهم للغاية.


من بين هذه التماثيل او المخلوقات مخلوق يدعى الجرغول وهو مخلوق أسطوري يرجع إلى أسطورة فرنسية نشأت في عام 641 ميلاديًا في مدينة روان. وتقول الأسطورة إنه كان يوجد وحش يُدعى غوجي أو جرغول، والاسم يعني "ذو الأجنحة"، وكان طويل الرقبة وظهر في نفس السنة، حيث كان يتغذى على دماء المخلوقات ويُقتل ويشوه الماشية، وهذا ما يتناسب مع شكله واسمه. وكانت المنحوتات التي تمثل هذا الكائن الأسطوري منحوتة على كاتدرائية نوتردام خلال العصور الوسطى، حيث كانوا يعتقدون أن هذا المخلوق المخيف كان يستخدم لطرد الأرواح الشريرة.


وفي التفسير التقليدي التأملي، يُقال إن التماثيل البشعة التي تزين واجهات الكنائس أو الكاتدرائيات ترمز إلى قوى الشر التي تحاصر بناء المسيح، حيث تُظهر محاولات هذه القوى لتدمير ما أنجزه يسوع المسيح من خلاص لبني البشر. وتذكر هذه التماثيل المؤمنين بأن كل ما هو خارج الكنيسة يُعرض لخطر الإغراء والسقوط في الخطيئة، بينما يُعد الدخول إلى الكنيسة ملاذًا آمنًا حيث يمكن العثور على محبة المسيح وغفرانه وقوة خلاصه، وحماية من تأثيرات العالم الخارجي.


ببساطة شديدة، فإن هذه التماثيل كانت جزءًا من فن العصور الوسطى الذي انتشر بكثرة في الكنائس والكاتدرائيات في فرنسا وأوروبا من القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر. على سبيل المثال، تمثال التشميره، وهو كائن أسطوري يجمع بين جسد الأسد ورأس الماعز أو أستريكس، والذي يشبه الوطواط في الأساطير، وكان يُعتقد أنه يأكل لحوم البشر وغيرهم. كانت هذه التماثيل تعبر عن حكايات أسطورية كثيرة انتشرت بشكل واسع خلال العصور الوسطى.


والهدف من وجود هذه التماثيل كان مشابهًا للأيقونات، حيث كانت تنقل رسائل إلى الأمم أو الأشخاص غير المتعلمين، بأن الخطر يحيط بهم خارج الكنيسة أو يتربص بهم.


تلاحظ أن جميع التماثيل الموجودة على واجهات الكاتدرائيات توجه نظرها إلى خارج الكنيسة، وكان الهدف المعماري الأساسي من وجود معظم هذه التماثيل هو استخدامها كمزاريب لتصريف ضغط المياه خلال فترات السيول من السقف والعواميد.


ومثلما نجده في بناء الكنائس لدى الأقباط، حيث يتم بناء الكنيسة على شكل "فلك نوح"، وهو تصميم يعكس الطبيعة الكونية للمحبة والمأوى. فمن المنطقي أن يتخيل المرء أن الخطر الخارجي يتجلى في الطوفان القاتل، وبالتالي، يجب على الإنسان اللجوء إلى الله داخل الكنيسة للنجاة. وهذه الرسالة كانت الهدف الرئيسي للتماثيل ومفهوم المهندسين الذين صمموا هذه الهياكل خارج الكنيسة.


في التفسير التقليدي التأملي، يُفسر الوجود التماثيل التي تشير إلى الخطر الخارجي الذي يتربص بالكنيسة على أنها رسالة للأمميين، تُظهر أن هناك طوفانًا يهدد خارج حدود بيت الله، وهو ما يمثله الشياطين التي تحاول بكل جهدها الدخول والتسلل إلى الكنيسة لمهاجمة المؤمنين.


أما من الناحية التاريخية، فإن هذا الموضوع يحمل جذورًا أعمق، حيث عرفت شعوب العالم القديم مذاهب الاستحياء والأرواح، حيث كانت تعتقد أن كل الظواهر الطبيعية تمتلك أرواحًا يمكن السيطرة عليها من خلال استخدام وسائل مختلفة.


في مصر القديمة، ظهرت فكرة استخدام التماثيل الشيطانية في المعابد خلال العصر البطلمي. ويُعرف هذه التماثيل باسم "الميازيب"، وكانت أشكالًا منحوتة تُمثل كائنات مخيفة، وعادة ما كانت باللون الأسود، واستُخدمت لتصريف مياه الأمطار فقط. ووُجدت نصوص في المعابد تؤكد بوضوح أن الغرض من هذه التماثيل كان طرد أرواح العواصف المصاحبة للأمطار عن المعبد.


وهناك آراء جادة تؤكد أن هذه الفكرة انتقلت من مصر إلى أوروبا خلال العصر الروماني. وهذا يلخص بشكل شديد قصة وجود التماثيل والشياطين الموجودة على كاتدرائية نوتردام، أو بشكل عام على الكاتدرائيات في أوروبا.


اما عن تاريخ الكاتدرائية


تاريخ كاتدرائية نوتردام دي باريس يعود إلى العصور القديمة، حيث بناها الملك شيلدبرت الأول في عام 528 ميلاديًا ككنيسة بديعة. وفي القرن العاشر، تحولت إلى كاتدرائية مدينة باريس بطابعها القوطي الفريد، حيث كانت قبة الكنيسة ترتفع إلى 33 مترًا.


بدأت مراحل بناء الكاتدرائية الحالية في عام 1160 ميلاديًا بأمر من الأسقف موريس دو سولي، حيث تم هدم الكنيسة الأصلية. وفي عام 1163، وضع حجر الأساس لنوتردام دي باريس وبدأ البناء. وفي عام 1196، توفي الأسقف موريس دو سولي، وبدأ العمل على الواجهة الغربية في عام 1200. وفي عام 1208، توفي الأسقف أوديس دو سولي وكان الصحن على وشك الانتهاء. تم إكمال الواجهة الغربية في عام 1225، وانتهاء بناء الأبراج الغربية والشمالية والنافذة الموردة في عام 1250. وفي الفترة من عام 1245 إلى 1260، تم بناء أجنحة الكنيسة بأسلوب "رايونانت" بواسطة جان دى ثم بيير دى مونروى. واستكملت العناصر المتبقية من بناء الكاتدرائية بين عامي 1250 و 1345.


منذ الانتهاء من بنائها، شهدت كاتدرائية نوتردام العديد من الأحداث التاريخية الهامة.


في عام 1431، توّج الملك الإنجليزي هنري السادس كملك لفرنسا في هذه الكاتدرائية.


كما شهدت الكاتدرائية تتويج نابليون بونابارت كإمبراطور في عام 1804.


وقد تمت طوبى لجان دارك في هذه الكاتدرائية، التي كانت أيضًا مكان تأبين الرئيسين تشارل ديغول وفرانسوا ميتران.


تعرضت الكاتدرائية لأضرار كبيرة خلال ثورة فرنسا في عام 1790، حيث تم saqueada و saqueada من قبل الثوار.


وفي تلك الفترة، قطع الثوار رؤوس التماثيل التاريخية في المبنى.


ووفقًا للمؤرخ روبرت تومبس، حاول بعض "الراديكاليين المعادين للدين" إشعال النيران في الكاتدرائية خلال ثورة كومونة باريس في عام 1871، ولكن تمكن سكان محليون من إفشال مخططاتهم.


قال المؤرخ تومبس: "بما أنه لم تكن هناك أي إجراءات لمكافحة الحرائق في ذلك الوقت، يجب أن نتوقع أن تكون الأضرار أسوأ بكثير مما نشاهده الآن".


وترتبط الكنيسة تاريخيًا برواية فيكتور هوجو الرائعة "أحدب نوتردام"، التي نُشرت عام 1831. تدور أحداثها الرئيسية داخل الكنيسة حول طفل أحدب يُدعى "كوازيمودو"، وهو لقيط قبيح المظهر يُربى في الكنيسة من قبل القس "الدوم كلود فرولو"، الذي يدربه ليصبح قارعًا للأجراس في الكنيسة. نجح فيكتور هوجو في تقديم شخصية تجمع بين الصفات الخيالية والمظهر القبيح، والصفات الداخلية الحسنة في أواخر العصور الوسطى في باريس.


وفي الرواية، تمتلك الفتاة الغجرية أزميرالدا دورًا مهمًا في "احتفال المهرجين"، وقد نالت إعجاب الناس برقصها، وتسببت في إغواء الملاحقين لها، بمن فيهم فرولو.


يُقال إن فضل الرواية على الكنيسة كان كبيرًا، حتى إنها منعتها من السقوط في العصور القديمة. عندما نشر فيكتور هوجو روايته، كانت الكاتدرائية في حالة سيئة للغاية، حيث كانت متهالكة وتهدد بالسقوط. وعندما نجحت الرواية وانتشرت، تم الموافقة على ترميم الكنيسة.


وعلى مستوى الأحداث التاريخية، شهدت كنيسة نوتردام العديد من الأحداث البارزة. في عام 1185، أُطلقت دعوة إلى الحملة الصليبية الثالثة من داخل الكاتدرائية التي لم تكتمل. وفي 16 ديسمبر 1431، توج هنري السادس ملك إنجلترا ملكا على فرنسا. كما تم تتويج نابليون الأول في 2 ديسمبر 1804 في نوتردام.


أما الحريق المدمر الذي أصاب الكاتدرائية أمس، فقد خلف خسائر كبيرة في السقف والفنون الموجودة داخلها، ولم يتبق سوى الهيكل في انتظار تدخلات عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.


Post a Comment

أحدث أقدم