رسالة قوية جدا من ابونا يوحنا نصيف بسبب الهجوم عليه يوضح فيها اشياء كثيرة



رسالة قوية جدا من ابونا يوحنا نصيف يوضح فيها اشياء كثيرة


رسالة محبّة وتوضيح
أكتب هذه الكلمات لتعزية كلّ الأحبّاء الذين تأذّوا من جراء الهجوم السافر ضدّي من مجموعات الكراهية والجهل، الذين أصلّي لكي يفتقدهم الله بمراحمه، لعلّهم يستفيقون من فخ إبليس إذ قد اقتنصهم تمامًا لإرادته (2تي2: 26)..
في البداية أودّ أن أوضِّح أنّي لا أريد أبدًا الدخول في جدل مع أي إنسان، فأنا أحبّ الجميع وأحترم الجميع، وأحاول دائمًا أن أكون موضوعيًّا، أدافع فقط عن الحقّ وليس عن أشخاص.. لذلك، بنعمة المسيح، سأتحدّث باختصار شديد في ثلاث نقاط لتوضيح الأمور:
أولاً: علاقتنا بآباء كنيستنا الأوائل.
ثانيًا: موضوع وراثة ذنب أو خطيّة آدم.
ثالثًا: كيف نحافظ على سلام الكنيسة؟
+++
أوّلاً: علاقتنا بآباء كنيستنا الأوائل:
+ هناك نقطة مهمّة جدًّا جدًّا يلزمنا في البداية أن نفهمها جيّدًا، وهي أنّنا كأقباط على مرّ الزمان قد تغيّرت لغتنا مرتين.. وهذا أمر خطير تسبب في انقطاعنا عن تراث آبائنا القدّيسين، لمدّة طويلة جدًّا.
+ لقد كَتَبَ كلّ آبائنا الأقباط العظام معلمي المسكونة، باللغة اليونانية منذ القرن الثاني حتى أواخر القرن الخامس.. أي أنّ كلّ تراثهم الفكري واللاهوتي وتفاسيرهم الكتابيّة هي باللغة اليونانية.
+ بعد مجمع خلقيدونية، تركنا كأقباط اللغة اليونانية تدريجيًّا، وبدأنا نكتب فقط بالقبطية، من القرن الخامس حتى القرن العاشر.. وصار لدينا تراث جيد باللغة القبطية.. وهناك حركة ترجمة طيّبة الآن لهذا التراث.
+ وبعدها غيّرنا اللغة للمرة الثانية من القبطيّة إلى العربية رغمًا عنّا.. ولدينا تراث بسيط لا بأس به باللغة العربية..
+ تغيير اللغة مرتين نتج عنه انفصالنا عن فكر آبائنا اللاهوتيين العظام، سواء آباء مدرسة الإسكندريّة أو بطاركة الكنيسة الكبار أمثال القدّيس أثناسيوس الرسولي والقديس كيرلّس السكندري والقدّيس ساويرس الأنطاكي..
+ في السنوات الأخيرة، بدأت حركة ترجمة هائلة من الأصول اليونانيّة من أجل استعادة هذا التراث، والدخول إلى أعماقه، فنستطيع أن نقرأ ونفهم ونتعلّم من ينابيع الآباء النقيّة والدسمة.. ليس مجرّد مقتطفات، ولكن ترجمات كاملة لأعمالهم وفكرهم اللاهوتي.. فنتشبّع بفكرهم الصافي المُشرِق بالروح..
+ قد يقول البعض أنّ ما وصل إلينا من تعليم لاهوتي في ليتورجيّات الكنيسة يمكن أن يكون فيه الكفاية.. والحقيقة أنّ هذا الكلام غير دقيق، فبالتأكيد أنّ الليتورجيات والتسبحة والأجبية فيهم تعليم لاهوتي جميل، ولكن ليس كلّ شيء.. بل هناك الكثير من الفكر الآبائي في تفسير الكتب المقدسة غير موجود في التراث الليتورجي للكنيسة القبطية، وهذا يجب أن ننفتح عليه ونفهمه. فالليتورجيّات وأقوال الآباء يكمّل بعضهم بعضًا..
+ من هنا تأتي أهمّيّة القراءة للآباء والتلمذة لفكرهم، ليس للجدل ولكن لكي نتشرّب من تقواهم واستنارتهم..
+ أعتقد أنّ هذه مقدّمة هامّة لابد منها، لكي تتّضح لنا الأمور..
+++
ثانيًا: موضوع وراثة ذنب أو خطيّة آدم:

+ تعبير "الخطية الأصليّة" أو "الخطيّة الجدّيّة" لم يقُل به آباء الكنيسة الشرقيّون الأوائل.
+ أول من قال به، وبلور فكرته هو القدّيس أغسطينوس، في القرن الخامس، لسبب فهم خاطئ للترجمة اللاتينية التي كان يقرأ ويفسر منها.. وانتشرت الفكرة في الغرب، وقال بها بعد ذلك الأب اللاتيني "أَنْسِلْمْ" في العصور الوسطى ثم لوثر وكالفن مِن بعده.. وجميع دارسي الآبائيّات في الشرق والغرب يعرفون هذا القصّة جيّدًا جدًّا..
+ في القرن العشرين وصلت إلينا فكرة "وراثة الخطيّة الأصليّة أو الجدّيّة" في مصر عَبر بعض الكتب الغربيّة المترجمة، وتأثّر بها الكثيرون، فتحوّلت إلى شبه ثقافة عامّة في الكنيسة القبطيّة.. مع أنّها لم تكُن يومًا في فكر آبائنا القدّيسين الأوائل.
+ آباء الكنيسة الشرقيون كان لهم نظرة مختلفة، إذ يقولون بفساد الطبيعة البشرية وسيادة الموت على الجميع نتيجة معصية آدم.. وعندما بدأ بعض الدارسين الأقباط في الاطلاع على أقوال آباء كنيستنا الأوائل باللغة اليونانية، بدأوا ينتبهون لعدم دِقّة الكلام الذي يُعلَّم به على المنابر وفي الإكليريكيّات، إذ أنّ الآباء لم يقولوا بما يسمى عند الغربيين بوراثة الخطية الأصليّة.. وبالطبع كلما تنفتح أمامنا كنوز الآباء، كلما نفهم أكثر أنّ وجهة النظر الغربية غير سليمة.
+ للأسف الآن، بدلا من أن نُصلح المفاهيم والتعليم الغربي الذي تسلّل إلى الكنيسة في المائة سنة الأخيرة تقريبًا، نجد أنّ البعض يريدون أن يضعوا رقعة عتيقة على ثوب جديد، ويخلطون بين التعاليم الآبائيّة الأرثوذكسية والتعاليم اللاتينيّة الغربيّة.. مما يتسبب في بلبلة ومهاترات بين الناس، الكنيسة في غنى عنها.. ولا أعرف لمصلحة مَن يتمّ ذلك التشويش؟ فالتعليم ينبغي أن يكون نقيًّا بحسب الأصول الآبائيّة.. ولا مانع طبعًا أن ندرس أيضًا وجهات النظر الأخرى، حتّى وإن كانت غير مقبولة ورفضها الآباء.. أمّا أن نتبنّى وجهة النظر الغربيّة في تعليمنا الرسمي فلست أرى أنّ هذا في صالح الكنيسة، وخاصّةً أن جميع الكنائس الأُرثوذكسيّة في العالم، لا تقول بوراثة ذنب أو خطيّة آدم..

+خلاصة الموضوع ببساطة:
1- آباء الكنيسة الأوائل لم يستعملوا مصطلح "وراثة الخطية الجدية أو الأصلية".. بل قالوا أن طبيعتنا فسدت ودخلها الموت واجتاز الموت لجميع الناس.. فالخطية لا تورث، ولكن نحن بعد السقوط صرنا نولَد بهذه الطبيعة المريضة ونخطئ بها..
2- أغسطينوس في القرن الخامس هو من نادى بوراثة الخطية، ولم يقبل كلامه الآباء الشرقيون.. حتّى بابا روما في ذلك الوقت أدان بعض تعاليمه، ولكن ليس معنى هذا بالطبع أن نعتبره هرطوقيًّا..!
3- عبارة المزمور: "في الخطايا ولدتني أمي".. معناها أنني وُلدتُ بطبيعة فاسدة وبها مرض الخطية.. وليس المعنى أنّني وارثٌ لذنب أجدادي أو لخطيّة معيّنة.
+ ما يحزنني بشدّة، هو محاولة البحث في كتابات الآباء عن أسانيد لفكرة وراثة ذنب آدم وحواء، مع تحوير المعاني والخروج باستنتاجات شاذّة، مثل أنّ المعموديّة لا يصير لها فائدة إن لم نكُن قد ورثنا خطيّة آدم، وغيرها من تلك التصريفات الغريبة.. فهذا يشبه عمل الهراطقة الذين كانوا يبحثون في الأسفار المقدّسة عن إثباتات لهرطقاتهم.. بكلّ أسف..!
+ الحقيقة أنّنا عندما نقرأ للآباء، ينبغي أن نقرأ نصوصًا كاملة، غير مجتزأة، وبروح الاتضاع والتلمذة، لكي نفهم روح المعني.. وليس لكي نصطاد كلمة من هنا أو هناك، ونفسرها خارج السياق.. كما يفعل البعض..!
+ أمّا ما يُقال عن مجمع أفسّس أنّه أيّد قرارات مجمع قرطاجنّة الذي حرم أناسًا منشقّين، فوفقًا لقرارات مجمع أفسس لم يرد إطلاقًا ذكر لمجمع قرطاجنّة بالاسم، بل فقط أيّد مجمع أفسس بابا روما في حرمه لمجموعة كبيرة من الفاسدين.. ولو كان مجمع أفسس قد وافق ضِمنًا على فكرة وراثة الخطيّة، فلماذا لا تؤمن الكنائس الأرثوذكسيّة في كلّ العالم بهذه الفكرة؟! سؤال يحتاج لإجابة منطقيّة.. ولماذا لم يقُم القديس كيرلس الكبير الذي قاد مجمع أفسس بالتأكيد على هذه الفكرة وبنشرها في كتاباته..؟! سؤال آخَر يلزم إجابته..
لذلك لا يليق عندما تضعُف الحُجّة أن نُشهِر سيوف الحرم، بتأويل غير مقبول لقرارات المجامع المسكونيّة..!

أخيرًا ما أكثر حُزني على الذين يحترفون الاصطياد والتشويش وتشويه الناس، دون دراسة وتلمذة حقيقيّة لآباء الكنيسة الأوّلين.. ويحاولون الوقيعة بين الإكليروس.. ويحاربون طواحين الهواء، أي يخلقون عدوًّا وهميًّا ويحاربونه.. فهؤلاء أصابهم (2بط2: 22) ما في المثَل الشعبي (وآسف في هذا التعبير): "ما يصدّقوا جنازة لكي يشبعوا فيها لطم"، وإذا لم يجدوا جنازة، يصنعون جنازةً وهميّة لكي يمارسوا من خلالها هوايتهم المفضّلة في اللطم، وتعكير سلام الكنيسة.. هؤلاء يقول عنهم القدّيس بولس أنّهم يتسبّبون في "مُبَاحَثَاتٍ دُونَ بُنْيَانِ اللهِ الَّذِي فِي الإِيمَانِ" (1تي1: 4).. ويوصينا قائلاً: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى، فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئًا، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ الْكَلاَمِ، الَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ الْحَسَدُ وَالْخِصَامُ وَالافْتِرَاءُ وَالظُّنُونُ الرَّدِيَّةُ، وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ فَاسِدِي الذِّهْنِ وَعَادِمِي الْحَقِّ، يَظُنُّونَ أَنَّ التَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هؤُلاَءِ." (1تي6: 4).. وأعتقد أنّ الذين لم يتوبوا منهم سيأخذون كلامي هذا ويحاولون إشعال بعض معارك وهميّة جديدة به..! المسيح قادر أن بنير بصائرهم ويسكب مراحمه علينا جميعًا..
+ وأختم هذا الموضوع بنصيحة ثمينة يقدّمها لنا الرسول بولس: "الْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ وَالسَّخِيفَةُ اجْتَنِبْهَا، عَالِمًا أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ، وَعَبْدُ الرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقًا بِالْجَمِيعِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، صَبُورًا عَلَى الْمَشَقَّاتِ، مُؤَدِّبًا بِالْوَدَاعَةِ الْمُقَاوِمِينَ، عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ" (2تي2: 23-26).
+++
ثالثًا: كيف نحافظ على سلام الكنيسة؟
+ نحن لسنا في حالة حرب، ولا ينبغي أن نكون.. نحن أعضاء في جسد المسيح الواحد.. وجميعنا مسؤولون عن سلامة هذا الجسد..!
+ لديّ ثلاثة اقتراحات محدّدة:
1- نكون موضوعيّين تمامًا، ونبتعد عن ذِكر أيّ أسماء أو الدفاع عن أي أشخاص.. مع التحلِّي بالمحبّة واحترام الجميع..
2- من الضروري وجود لجنة كنسيّة من كلّ الذين درسوا الآباء جيّدًا، ليوضحوا لنا التعليم الذي كتبه الآباء الأولون لكي نلتزم به، ويزودونا بكافّة وجهات النظر الآبائيّة حول القضايا الخلافيّة.. وليهدأ الجميع حتّى يتمّ تشكيل هذه اللجنة، وتُعرَض كافّة القضايا عليها.
3- نواصِل الصلاة من كلّ قلوبنا كلّ يوم، لكي يتمجّد الله وتعود للكنيسة وحدانيّة القلب التي للمحبّة.
نصلي لكي يحفظ الرب سلام كنيسته، ولكي تنمو المحبّة بيننا، والتي هي علامة الشركة والتلمذة الحقيقيّة للمسيح.
خالص محبّتي للجميع،،
القمص يوحنا نصيف


Post a Comment

أحدث أقدم