مراحل القداس الإلهي


مراحل القداس الإلهي


مراحل القداس الإلهي

تمهيد :-

          قدم الرب يسوع ذاته فصحاً مذبوحاً ليلة آلامه ، حينما بذل نفسه للموت جسداً مكسوراً ودماً مسفوكا ، أعطاهما لخواصه الأطهار . وببذل نفسه للموت عن حياة العالم ، وضع أساس الاجتماع الافخارستي . إذ سلمهم هذا السر العظيم ، وأوصاهم قائلاً : " اصنعوا هذا لذكري " ( لو 22: 20) ويسجل القديس بولس ما رآه معاشا في الكنيسة ومارسه بنفسه كتسليم قد تسلمه من الرب والكنيسة : " فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجئ "
( 1كو11: 24 ، 25 ) . وهذه الوصية تتضمن ثلاثة حقائق هي : الأخبار بموت الرب ، الذكرى ، انتظار مجيئه . وهذه الحقائق الثلاث تمثل في الواقع جوهر الاحتفال الافخارستي في كنيسة الله المقدسة . ومنها جاءت الموضوعات الرئيسية لمراحل القداس الإلهي ، والتي يبدو للكثيرين أنها أجزاء منفصلة يمكن استحسان بعضها دون الآخر . لكنها في حقيقتها هي مراحل اختبار فصحي مرتبطة ، تتم باستعلان حضور الرب ، والاتحاد به عندما يكمل السر .

+ مراحل القداس وطبيعتها الفصحية والاسخاتولوجية :-

          وحرصا على ما تسلمته الكنيسة من الرب ( 1كو11: 23 ) فقد عاشت لقاء العلية متجدداً في كل قداس . واضعة أمام عينيها صورة اجتماع الرب بتلاميذه ليلة آلامه لإقامة الافخارستيا . وتحيا نفس الأحداث ، من تقديم كلمة تعليم وكسر الخبز ، ثم التسبيح . تماما كما قيل عن عشاء الرب : " ثم سبحوا وخرجوا " ( مت26: 30 ، مر 14: 26 ) . وقد جعلت الكنيسة من كل هذا أعمالا ليتورجية ، تدخل في صميم الحياة والعمل السرائري للافخارستيا ... من اجتماع العلية اذن ، تشكلت كل نماذج العبادة الليتورجية
          على أن كسر الخبز ومزيج عصير الكرمة بالماء ، لم يكونا مجرد وسيلة لتقديمهما والتناول منهما . لكن هذه الحركة المنظورة كانت تعبيراً عن عمل حقيقي يتم واقعيا وفي نفس اللحظة في أعماق السيد المسيح . انه التنفيذ العملي لبذل ذاته حقا وفعلا عن حياة العالم . وهكذا جاءت كلمات المخلص المصاحبة لتوزيع جسده ودمه على خواصه الأطهار : " جسدي الذي يقسم عنكم ... دمي الذي يسفك عنكم " فالحركة المنظورة لكسر الخبز لم تكن رمزا في وجود الرب وهو " الحق " نفسه ، لكنها كانت تجسيدا واعلانا عما يحدث بالفعل في الغير منظور . من هنا كانت الحركات الطقسية المنظورة المصاحبة للصلاة والعبادة ، هي وسيلة اعلان وتعبير عما يحدث بالفعل كحقيقة معاشة على مستوى الروح بشكل غير منظور .
ولهذا ، صار تعبير : " كسر الخبز " هو التعبير الطقسي والإيماني لاجتماع الكنيسة لإقامة الافخارستيا وشركة جسد الرب ودمه : " كانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات . وإذ هم يكسرون الخبز في البيوت " ، " وفي أول الأسبوع إذ كان التلاميذ مجتمعين ليكسروا خبزا " ( أع 2: 42، 46 ، 20: 7 ، 1كو 10: 16 ) . كانت هذه صورة اجتماع الكنيسة ، وكان التعليم والشركة والصلوات وكسر الخبز هي جوهر الحياة الكنسية منذ البداية ، كما جاء في شهادة وتسجيلات اقدم النصوص ، مثل تقرير بليني الأصغر حاكم بيثينية (             ) ، والقديس يوستينوس الشهيد (155م) والتقليد الرسولي لهيبوليتوس الروماني (220م) وبعض نصوص الانافورا ، وجميعها يتفق على أن اجتماع المؤمنين يتضمن قراءات من الأسفار المقدسة ، عظة للأسقف ، الذي يتقدم للصلاة ببعض كلمات لتقديس القرابين ، ويتناول الجميع من الأسرار المقدسة  .وقد عاشت الكنيسة ليتورجياتها كحياة فصحية ولها الطابع الاسخاتولوجي أيضا . إذ كان الاجتماع يبدأ مساء ، كما لو كان في جو ذبح خروف الفصح ، ويمتد عبورا أثناء الليل نحو شروق الشمس . إنها بالفعل رحلة عبور فصحية من العالم الحاضر تطلعا نحو فجر الدهور الأبدية . كان اليوم الكنسي إذن وما زال يتمشى تماما مع أحداث الخلق . أي العبور من الظلمة إلى النور ، ومن العدم والموت إلى الوجود والحياة : " كان مساء ... وكان صباح يوما .. " ( تك1) . ولتغيير الظروف ، انفصلت صلوات المساء ، وتسبيح الليل ، انفصالا زمنيا لا موضوعيا عن باقي صلوات الاحتفال بعشاء الرب . وبالرغم من هذا الانفصال التوقيتي الا ان كل قسم ، احتفظ بما فيه من روح وفكر وخبرة ليتورجية . واحتفظت صلوات كل قسم بسماتها وجوهرها كذبيحة حية بالعبادة العقلية ، تتحقق ويكتمل فعلها في ذبيحة الافخارستيا . هذه الحقيقية هي لب صلوات سرية لعديد مما استقر في الكنيسة من طقوس . ابتداء من رفع بخور عشية وانتهاء بتناول المؤمنين . حيث تقدم الكنيسة كلمة الانجيل ممتزجة بالصلاة ، والخدمة الكهنوتية والتسبيح لتجعل من كل هذا دعوة للتمتع باحداث الخلاص . انها دعوة لحياة ليتورجية نعيشها بروح ذبائحية ، أي بصحبة وشركة المسيح فصحنا المذبوح عنا ، اذ نختبر شركة الامه وقيامته ، فتقدم النفس توبتها وصلواتها كذبيحة ورائحة بخور ، سعيا للاتحاد والشركة في جسد الرب ودمه الاقدسين . هذه الحقيقة توضحها الصلوات التالية .
+ سر بخور عشية : " في كل مكان يقدم بخور لاسمك القدوس وصعيدة طاهرة . لتستقم أمامك صلاتنا مثل بخور . لانك أنت هو ذبيحة المساء الحقيقية الذي أصعدت ذاتك من اجل خطايانا " .
+ سر بخور باكر : " يا الله الذي قبل إليه قرابين هابيل الصديق ... اقبل اليك هذا البخور من ايدينا نحن الخطاة رائحة بخور غفرانا لخطايانا "
+ من تسبحة نصف الليل : " فمن ثم نقدم الذبيحة والعبادة العقلية ونرسل لك في هذا اليوم التسابيح لدى مجدك يا مخلصنا " قطعة رومي للثلاثة فتية ." فلتكن صلاتنا يا سيدنا تصعد أمامك مثل محرقات كباش " مديح للثلاثة فتية .
+ من صلاة الاستعداد : " أهيئ هذه الخدمة المقدسة كما يرضيك كمسرة إرادتك رائحة بخور ، اجعلنا مستوجبين بقوة روحك القدوس .. نقدم لك صعيدة البركة . اعط يا رب  ان تكون مقبولة امامك ذبيحتنا "
+ قداس الموعوظين : من سر البولس : " امنحنا أن نقدم أمامك ذبائح ناطقة وصعائد البركة وبخوراً روحيا يدخل إلى الحجاب " ومن بخور الابركسيس : " اقبل منا نحن أيضا يا سيدنا محرقة هذا البخور ، أرسل لنا عوضا عنه رحمتك الغنية واجعلنا أن نكون أنقياء من كل نتن الخطية ".
+ صلاة الحجاب الكيرلسي : " اعطني يا رب روحك القدوس النار غير الهيولية ، التي لا يفكر فيها ، التي تأكل كل الضعيفات ، وتحرق الموجودات الرديئة ، وليقتل أعضاء الجسد التي على الأرض " .
+ من صلاة حجاب ثانية للقداس الباسيلي : " امنح ضعفي عزاء لكي اقدم ذبيحة تسبيح ورائحة بخور وثمرة روحية " .
          لعل في هذه الصلوات ما يدل على أن مراحل الاحتفال بالافخارستيا ، هي عمل ليتورجي متواصل ، نحياه بروح ذبائحية نقدم بها عبادتنا العقلية وإذ يقدسنا الروح القدس بالصلاة وكلمة الله ، يؤهلنا أيضا للاتحاد بذاك الذي يقدم ذاته ذبيحة حقيقية في الافخارستيا .

Post a Comment

أحدث أقدم