نظرة تاريخية على اسبوع الالام وترتيبه فى الكنيسة القبطية

نظرة تاريخية على اسبوع الالام وترتيبه فى الكنيسة القبطية
 

نظرة تاريخية على الأسبوع المقدس:


تعود جذور الأسبوع المقدس إلى العصور الأولى للمسيحية، حيث كان يوم الجمعة العظيمة الموازي لعيد الفصح يومًا مخصصًا للصوم والتأمل. كانت هذه الفترة تعبِّر عن حزن وأسف المسيحيين على معاناة المسيح ورفض اليهود له كمسيا.


مع مرور الزمن، تطوّر هذا الأسبوع ليشمل يوم السبت أيضًا، والذي كان يعتبر استعدادًا مباشرًا للاحتفال بعيد الفصح. تشير مصادر الكنيسة القديمة مثل تعليم الرسل والقوانين القبطية إلى أهمية الصوم قبل المعمودية، وكان يوم القيامة في البداية يبدأ في ساعات مبكرة من ليلة عيد القيامة.


تطوّرت الممارسات لتشمل صومًا يمتد على مدار الأسبوع الكامل المسبق لعيد الفصح، والذي أطلق عليه اسم "أسبوع الآلام". بدأت هذه الممارسة في القرن الثالث، حيث تُذكر أول ذكر لها في الدسقولية السريانية.


في مرحلة أخرى، كان هناك صوم الأربعيني الذي كان منفصلًا عن صوم أسبوع الآلام، حيث كان يبدأ بعد عيد الأبيفانيا ويستمر حتى الجمعة العظيمة، مما يؤكد على أهمية هذه الفترة في التحضير لعيد القيامة.


بالإضافة إلى ذلك، حدّد البابا اثناسيوس الرسولي في رسالته الفصحية الثانية أن الفصح المسيحي يجب أن يُحتفل به في الأحد التالي لفصح اليهود، مما أكد توحيد هذا العيد بين كنائس مصر وفلسطين وروما.


وأصدر مجمع نيقية سنة 325م قرارًا يحدد أن العيد يجب أن يكون في الأحد التالي ليوم 14 نيسان، لتجنب التزام الكنائس بتقويم اليهود.


ومع ذلك، فإن الأمور لم تكن دائمًا سلسة، حيث أصدر البابا جريجوري الثالث عشر إصلاحًا في عام 1582م، جعل الاحتفال بالفصح يتم وفقًا للتقويم المدني المعتمد بالإضافة إلى التقويم الشمسي، مما أدى إلى انقسام الكنيسة بين متباعي التقويم الجديد والقديم.


باختصار، يعكس تاريخ الأسبوع المقدس النموذجي كيف اندمجت الممارسات الدينية بالتطور التاريخي والتوجيهات الكنسية، مما يظهر تطور الطقوس والمعتقدات في المسيحية عبر العصور.


الجناز العام:



في اللغة العربية، يُطلق على صلاة الجنازة اسم "جَنز الكاهن الميت". تُعتبر الجنازة أو الجِنازة، وجمعها جَنائز، هي المأتم أو الاحتفال الذي يقام لتوديع المتوفى. وفي اللغة القبطية، يُشار إلى الجنازة بـ "بي هيفى"، وتتضمن كتب الخدمات الصلوات التي تُقال فيها.


صلوات التجنيز في الكنيسة القبطية تشمل:



تجنيز البطاركة والمطارنة والأساقفة.

تجنيز القمامصة والقسوس.

تجنيز الشمامسة.

تجنيز الرهبان.

تجنيز الراهبات.

تجنيز الرجال الكبار.

تجنيز النساء الكبار.

تجنيز النساء اللواتي يلدن.

تجنيز الأطفال الذكور.

تجنيز البنات.


التجنيز العام يبدأ عندما ينتهي الكاهن من صلاة قداس أحد الشعانين، حيث يبدأ بتوزيع الأسرار المقدسة. يتمُّ قراءة المزمور المائة والخمسين بلحن الشعانين، ويُغلق ستر الهيكل ويُبدأ صلاة الجناز العام. يُذكر يوحنا بن السباع في القرن الثالث عشر أن "تجنيز الأحياء يحدث يوم أحد الشعانين. وبعد الساعة التاسعة من النهار، يحضر جميع الشعب المسيحي إلى البيعة لحضور التجنيز العام".


يُسمَّى هذا التجنيز بصلاة الساعة السادسة من يوم أحد الشعانين، ولكن لا يوجد في الكتب القديمة ما يوصى بصلاة الساعة الثالثة فقط. وجاء في تعليم الجوهرة النفيسة لطقوس الكنيسة أنه "يجتمع الشعب المسيحي رجالًا ونساءً كبارًا وصغارًا، عبيدًا وإماء، في البيعة المقدسة لحضور التجنيز العام. الغرض من ذلك في هذا اليوم خشية أن يموت أحدهم في جمعة البصخة، فلا يجب رفع بخور إلا في الخميس والسبت. فهذا التجنيز يُغنى عن التجنيز في الأربعة الأيام التي لا يجب رفع بخور فيها. إذا انتقل أحد منهم، يحضرون به إلى البيعة وتُقرأ عليه الفصول التي تناسب التجنيز من غير رفع بخور".


بعض الملاحظات الهامة حول طقس الجناز العام:



يُلاحظ أن قراءات الجناز العام هي نفس قراءات تجنيز الرجال، ولا نعرف هل اُختير طقس تجنيز الرجال استنادًا إلى الجناز العام أم العكس. ومن الواضح أن اختيار طقس تجنيز الرجال يرجع إلى طابعه العام والموضوع حول "قيامة الراقدين".


الماء الذي يصلى به الكاهن خلال التجنيز ليس ماءً مقدسًا خاصًا بالجناز، بل هو ماء التسريح الذي يُرش به الشعب في نهاية كل قداس.

لا يُغطى المذبح بالستور الأسود إلا بعد انتهاء التجنيز العام ومغادرة الشعب.


ترتيب ما يُقال في أسبوع الآلام:




تعتمد قوانين الرسل على قراءة العهدين القديم والجديد في أسبوع الآلام، وكانت هذه النظامية مُتَّبَعة في الكنائس منذ العصور الأولى وحتى زمن الأنبا غبريال الثاني السابع والسبعين، بابا الإسكندرية، الذي شعر بصعوبة هذا النظام على الأفراد. لذلك، قام بجمع عدد كبير من آباء الكنيسة وعلمائها لوضع نظام جديد لقراءات هذا الأسبوع.


وضعوا نظامًا يتضمن فصولًا من النبوات والأناجيل تتناول آلام السيد المسيح في الأسبوع الأخير من حياته على الأرض، وقاموا بترتيب هذه القراءات حسب سير الحوادث في تلك الفترة. وقد جمعوا كل ذلك في كتاب يُعرف بـ "الدلال" أو "كتاب البصخة".


كلمة "دلال" مأخوذة من الفعل "دل"، الذي يعني "إرشاد إلى شيء". والدلال هو الكتاب الطقسي الذي يُرشد إلى أسلوب تكميل الخدمة الطقسية للمناسبة. في الكنيسة القبطية، يتضمن الدلال لأسبوع الآلام ودلال اللقان والسجدة.


وبقيت الكنيسة على هذا الترتيب حتى أيام الأنبا بطرس أسقف البهنسا، الذي لاحظ أن بعض الساعات في كتاب البصخة تحتوي على قراءات أكثر من الأخرى. فقام بجعل الساعات متوازية في القراءات، ورتب لكل يوم عظتين، كما هو مدون في كتاب البصخة المستعمل حاليًا.


يتم وضع الستور السوداء على المذبح وتوشيح الكنيسة بالأغطية السوداء خلال أسبوع الآلام، وذلك للإشارة إلى حزن الكنيسة كمشاركة في آلام المسيح. وتُقام الصلوات في الخورس الثاني خارج المذبح، مما يُذكِّرنا بآلام الرب وصلبه على جبل الأقرانيون خارج أورشليم. ويُذكِّرنا هذا بذبيحة الخطية في العهد القديم، التي كانت تُحرق خارج المحلة لئلا تنجسها.


وهذا الترتيب يُذكِّرنا بخطيئتنا التي أخرجتنا خارج الفردوس، لكننا نتوب عنها لنعود بواسطة الخلاص الذي أُتم على عود الصليب.


سواعي البصخة:




كلمة "بصخة" في كل اللغات تعني العبور، وتشير إلى حادثة عبور الملاك المهلك كما ورد في سفر الخروج (خر 12: 23).


تم تقسيم اليوم إلى خمس سواعي نهارية وخمس ليلية:


السواعي النهارية تحتوي على (باكر - ثالثة - سادسة - تاسعة - حادية عشر).

السواعي الليلية تحتوي على (أولى - ثالثة - سادسة - تاسعة - حادية عشر).

أما في يوم الجمعة العظيمة، فتُصلى الكنيسة صلاة اضافية وهي صلاة الساعة الثانية عشر.


ترتيب كل ساعة من سواعي البصخة كالتالي:



النبوات: تُقرأ قبطيًا وتُفسر عربيًا، وتُقرأ النبوات قبل الإنجيل، لتظهر أن العهد القديم كان تمهيداَ للعهد الجديد وإظهارًا لنبوات الأنبياء عن السيد المسيح.


العظة: تكون في السواعي النهارية فقط، وتُخصص لقديسين عظماء في الكنيسة، ولها لحن رائع يُسمى "لحن مقدمة وختام العظة"، وهو لحن "أوكاتي شيسيس".


تسبحة: "ثوك تيه تي جوم" تُقال 12 مرة في كل ساعة من سواعي البصخة، بدلًا من مزامير الساعة، وذلك لأن المزامير مليئة بالنبوات عن حياة يسوع، وبما أننا نحيي تذكار آلامه فقط، فقد اختيرت هذه التسبحة. وتذكرنا هذه التسبحة بصورة وردت في سفر الرؤيا (رؤ 4: 11)، وأيضًا بملاك يقوي الرب يسوع في بستان جثيماني (لو 22: 43). وتُختم هذه التسبحة كل مرة بالصلاة الربانية.


المزمور: يُرتل باللحن الأدريبي، وهو طريقة حزينة تتناسب مع حالة الحزن التي تعيشها الكنيسة.


الإنجيل: يُقرأ قبطيًا ثم يُفسر عربيًا ويُلحن بلحن الحزن.


الطرح: يُقرأ بعد الإنجيل، ويتضمن معنى الإنجيل والحث على العمل به، وله لحن مقدمة وختام الطرح يتغير حسب المناسبة، وفي أسبوع الآلام يُقال بلحن الحزن.


الطلبة: تلتمس الكنيسة فيها رحمة الله وبركته لشعبها ولكل المخلوقات، وتُقال بغير مطانيات في السواعي الليلية لأنه لا يكون صوم.


لحن ابؤرو وكيرياليسون: يُرتل الشعب هذا اللحن في نهاية الطلبة بطريقة حزينة، وتستخدم طريقة الأنتيفونا في المرابعة، وقبل كل ربع تُقال "كيرياليسون".


البركة: يُتلوها الكاهن، وهي البركة المستعملة في جمعة الآلام، ثم يُختم بالصلاة الربانية ويُصرف الشعب بسلام.


ملاحظات عامة على أسبوع الآلام:



تضاء 3 شموع أثناء خدمة صلاة البصخة، وهذا رمز لكلمة "نور"، حيث يُعتبر كل شمعة رمزًا لقراءة من قراءات البصخة الثلاثة: النبوات، والمزامير، والإنجيل.


لا تُقام القداسات الإلهية أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء في أيام أسبوع البصخة، لأن خروف الفصح كان يشترى في اليوم العاشر ويُذبح في اليوم الرابع عشر، ومن ثم لا يكون هناك قداسات في تلك الأيام.


لا تُقال فقرة "باسوتير إن اغاثوس" إلا في الساعة الحادية عشر من يوم ثلاثاء البصخة، لأن التشاور لصلب الرب يسوع بدأ من ليلة الأربعاء.


تمنع قبلة يهوذا ابتداءً من ليلة الأربعاء إلى الانتهاء من خدمة قداس سبت الفرح، لنتذكر "قبلة الخيانة" التي جعلها يهوذا علامة لتسليم السيد.


الكنيسة تقرأ الأناجيل الأربعة في أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس من أسبوع البصخة، لأن حوادث الآلام كتبت في الأربع بشائر، وتهدف هذه القراءة إلى النمو الروحي.



Post a Comment

أحدث أقدم